سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يعني اهتمام اسرائيل بدراسة ميدان القتال المستقبلي ؟
نشر في الحياة يوم 15 - 11 - 1998

تزايدت اهتمامات القيادات العسكرية في اسرائيل في العامين الاخيرين بموضوع جديد فرض نفسه على الساحة الاسرائيلية خصوصا بالنسبة الى الباحثين العسكريين في مراكز الدراسات الاستراتيجية.
هذا الموضوع هو ما أطلق عليه في اسرائيل ساحة القتال المستقبلية، وخصائص هذه الساحة أو الميدان في المستقبل القريب الذي حددته الدراسات حتى عام 2010. وعندما تتحدث اسرائيل عن ميدان القتال المستقبلي لها، فإننا ينبغي ان نقرن ذلك بما حددته لنفسها عن دائرة مجالها الحيوي التي تضم مصالحها، وحددها وزير الخارجية الاسرائيلي اريل شارون، انها تمتد من باكستان شرقاً الى المغرب غرباً، ومن جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية شمالاً الى جنوب افريقيا والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر جنوباً.
وطبقاً للتقدير الاسرائيلي، فإن ميدان القتال المستقبلي هو الذي ستتفاعل فيه طبيعة الارض مع وسائل القتال التي ستستخدمها الجيوش المتحاربة، وبما يؤثر على أنماط تكوين وتنظيم وتسليح القوات، وأساليب استخدامها القتال في المستقبل، وتتمثل فيه ثلاثة عناصر رئيسية:
أ - السعة الاستراتيجية والتعبوية لمسرح العمليات، وما يحتويه من محاور تحرك وقدرة على الانتشار، وموانع طبيعية وصناعية يمكن ان تحد من حرية القتال، وتأثير طبيعة الارض على استخدام وسائل القتال.
ب - أحجام القوات المتحاربة، ونوعياتها وقدراتها القتالية.
ج - مدى التقدم التكنولوجي الذي ستتصف به أنظمة التسليح ومعدات القتال التي ستستخدمها القوات المتحاربة، وتأثيرها على أساليب الاستخدام القتالي للقوات، وما يمكن ان تحققه من ميزات خصوصاً في مجال تقليص حجم القوات المسلحة، والحد من الخسائر، وسرعة تحقيق المهمات القتالية.
مسرح القتال المستقبلي
تسعى اسرائيل في دراستها لمسرح القتال المستقبلي الى التعرف على الميادين التي سيخوض فيها الجيش الاسرائيلي معاركه الرئيسية ضد الجيوش العربية، وهي سيناء والنقب في حربها ضد مصر، والجولان وجنوب لبنان والبقاع ضد سورية ولبنان، وشرق نهر الاردن وحتى مرتفعات السلط ضد الاردن، وكل الضفة الغربية وقطاع غزة بالنسبة الى الفلسطينيين مع اعتبار كل البحر الأحمر في مخرجه الجنوبي، والبحر المتوسط كله حتى خليج سرت غرباً مسرحاً رئيسياً للعمليات البحرية.
هذا بالإضافة الى ميادين قتال ثانوية في غرب السعودية حول منطقة "تبوك"، وغرب العراق حول منطقة "الرطبة"، وشمال سورية من حول منطقة "حلب" الى منطقة الحدود مع تركيا بعد تحالفها الاستراتيجي الذي ابرمته مع انقرة، وسمح لتل ابيب باستخدام الاجواء التركية في التعامل ضد شمال سورية. ومعظم اراضي هذه المناطق ذات طبيعة صحراوية مفتوحة، ولا تشكل المناطق الجبلية المحدودة فيها عوائق طبيعية ضد تحركات القوات وانتشارها، وان كان التمسك بها يعطي ميزات استراتيجية للمدافعين، مثل خط المضايق في وسط سيناء، وجبل الشيخ في سورية، وجبال الشراه واتريات في شرق وادي عربة في الاردن، وجبال لبنان الشرقية والغربية حول سهل البقاع، وجبل الخليل وهضبة الشحروت في الضفة الغربية للأردن.
وسيكون على اسرائيل ان تنسق عملياتها الحربية في ميدان القتال المستقبلي مع دول اخرى في دائرة مجالها الحيوي مثل اثيوبيا واريتريا بالنسبة الى العمليات البحرية في جنوب البحر الاحمر، ومع تركيا بالنسبة الى عملياتها الجوية ضد سورية وايران، ومع الهند وسريلانكا بالنسبة الى عمليات اسرائيل الجوية ضد باكستان، ومع دول وسط وجنوب افريقيا من اجل تأمين هجرة يهود هذه الدول الى اسرائيل.
وتسعى اسرائيل من الآن في دراستها لميدان القتال المستقبلي الى التعرف على مكامن المشاكل التي سيتعرض لها الجيش الاسرائيلي عند تنفيذ مهماته القتالية على هذه الساحة. وابرز هذه المشاكل التغلب على امتلاك الدول العربية لحوالي 200 صاروخ باليستي، الى جانب ما تملكه ايران ايضاً من صواريخ "شهاب 2 و3 و4" التي تطول اسرائيل. كذلك مشكلة التحصينات الدفاعية القوية التي تقيمها سورية في منطقة وقف اطلاق النار في الجولان وحتى دمشق، والمناطق التي تؤوي اليها عناصر المقاومة اللبنانية والفلسطينية في جنوب لبنان والضفة الغربية وغزة، ويمكن ان تشكل في الحرب المقبلة تهديداً خطيراً للعمق الاسرائيلي. كذلك المشاكل التي ستواجهها المقاتلات الاسرائيلية من قبل شبكات الدفاع الجوية العربية المتطورة والكثيفة.
كما ستواجه الدبابات الاسرائيلية المشكلة نفسها في هجماتها البرية بفعل آلاف الصواريخ المضادة للدبابات المسلحة بها الجيوش العربية، اذ حصلت تلك الجيوش في السنوات الاخيرة على نوعيات متقدمة من هذه الصواريخ من الجيلين الثاني والثالث المزودة بالليزر وتعمل ايضاً بنظرية Fire and rorget. وهو ما يسهل على المستخدمين لهذه الصواريخ تدمير اعداد ضخمة من المدرعات الاسرائيلية في حال هجومها.
وتحد المشكلتان - الدفاع الجوي والدفاع المضاد للدبابات - كثيراً من فاعلية الهجمات الجوية والمدرعة الاسرائيلية، التي تعوّل عليها في سرعة تحقيق الاهداف والمهمات الاستراتيجية لقواتها المسلحة، ناهيك عما ستسببه الخسائر الجسيمة في الافراد والمعدات من تأثير سلبي في القرارات السياسية والعسكرية التي ستتخذ اثناء ادارة الحرب.
هذا بالاضافة الى البحث عن أساليب وطرق ووسائل جديدة للخداع السياسي والاستراتيجي الذي تتصف به كل خطط الاستخدام القتالي للقوات الاسرائيلية على المستويين الاستراتيجي والتعبوي، ومدى ما سيتيحه ميدان القتال المستقبلي من امكانات في مجال الخداع، حتى تكون اساليب الخداع غير معروفة وغير متوقعة من جانب خصوم اسرائيل، وتختلف عن اساليب الخداع السابقة التي مارستها في الحروب الماضية، حتى يمكن ان تحقق المفاجأة وتجني ثمارها في وقت يصعب فيه إخفاء نيات الهجوم. ويدخل في هذا الاطار ما يمكن ان تحدثه تكنولوجيات الاسلحة والمعدات الحديثة من مفاجأة، واتباع اساليب قتال غير نمطية لم تستخدم من قبل، والتحرك عبر محاور وطرق ومناطق اقتراب لا يتوقعها الخصوم.
وتتوقع الجهات التي أنيط بها في اسرائيل دراسة ميدان القتال المستقبلي، ان يصل هذا الميدان الى درجة عالية من التشبع في القوة العسكرية البشرية، وانظمة التسليح التقليدية الحديثة والقديمة على السواء. وقد تصل كثافة القوات في ساحات محدودة من الارض الى اكبر المعدلات في مناطق حدودها مع اسرائيل لتكون اشد كثافة واكثر عمقاً وتقدماً وتنوعاً، وحتى تتناسق وتتكامل مع الموانع الطبيعية الموجودة في مسرح العمليات، كما ستُغطى بنوعيات مختلفة من النيران المباشرة وغير المباشرة الكثيفة، وبما يصعب اقتحامه خصوصاً اذا ما تم تزويدها بموانع متطورة تعتمد على الانفجارات الغازية والنفطية.
كما يتوقع ان تكون الجيوش المتحاربة على استعداد لإقامة حقول موانع متحركة تُنشأ بسرعة في الاتجاهات المهدّدة باختراقات الخصم. ومن المنتظر ان تساهم خطط الموانع مع خطط الخداع في تضليل قوات الخصم عن الاتجاهات الصحيحة للقتال.
لذلك ستزداد وتتنوع اسلحة ووسائل القتال الارضية والجوية القادرة على انتاج نيران مؤثرة، وذلك من حيث المدى والدقة والكثافة والقدرة على المناورة بالنيران في جنبات المسرح. فبجانب نيران المقاتلات والقاذفات والمدفعية والصواريخ التي ستساعد عمليات القوات البرية، فإن المروحيات الهجومية المسلحة بالصواريخ الحرة والموجهة المضادة للدبابات والطائرات والرادارات والاهداف الارضية الاخرى المساحية، ستلعب دوراً رئيسياً في معركة الاسلحة المشتركة المقبلة، وبذلك لن تكون هناك مناطق او قوات احتياط او مدن بعيدة في العمق في منأى عن نيران اسلحة الحرب المقبلة منذ لحظاتها الاولى. إذ ستكون المناطق الخلفية التي تحوي التجمعات السكانية والاهداف الحيوية للدولة ذات القيمة الاستراتيجية، مثل محطات الطاقة ومصافي النفط والجسور ومحطات المياه والمصانع الحربية... الخ كلها في مدى الاسلحة المتاحة خصوصاً الصواريخ ارض - ارض والمقاتلات القاذفة القادرة على الضرب في العمق. وقد تدخل هذه الاهداف المدنية في اطار الضربات الافتتاحية للحرب بهدف تعجيز الخصم وكسر إرادته السياسية منذ اللحظات الأولى للحرب.
وفي المقابل فإنه يمكن ان يكون لمثل هذه الضربات ضد الاهداف المدنية تأثير عكسي نتيجة لما تثيره من غضب في الرأي العام العالمي ضد الدولة المعتدية، وربما قد يدفع المجتمع الدولي الى اتخاذ قرارات دولية عقابية ضدها.
كما لا يمكن تجاهل تأثيرات الثورة العلمية الجارية حالياً على ميدان القتال المستقبلي، خصوصاً في مجال وسائل الحرب الالكترونية بشقيها الاستطلاعي والإعاقي على اجهزة الاتصالات ومحطات الرادار بأساليب سلبية وايجابية، واقتران ذلك بصورة المعلومات الجارية في العالم، وانعكاسها على اعمال اجهزة الاستخبارات ومراكز القيادة والسيطرة الاستراتيجية والتعبوية، من حيث قدرتها في الحصول على المعلومات الدقيقة الكاملة والموقوتة، او حرمانها منها ودسّ معلومات مغرضة عليها، وتأثير ذلك على تخطيط وإدارة اعمال القتال وادارة نيران القوات في الهيئات التكتيكية والتعبوية. كما سيكون للاستطلاع والإنذار المبكر الفضائي، بواسطة اقمار التجسس والاتصالات، دور كبير في كشف الاستعدادات للحرب والانذار بالاعمال القتالية مبكراً، خصوصاً في مجال استخدام الصواريخ ارض - ارض.
وهو ما سيقود تلقائياً الى التوسع في توجيه الضربات الاستباقية والوقائية لتدمير وإسكات معظم وسائل النيران المعادية بمختلف انواعها ومستوياتها، خصوصاً ذات المدى البعيد، كذلك تدمير مراكز القيادة والسيطرة المعادية او شلها وإرباكها. وسيعتبر النجاح في ذلك هو المفتاح لفتح ميدان القتال المستقبلي امام المناورة كي تحقق اهدافها ومهماتها الاستراتيجية بسرعة وبأقل قدر من الخسائر.
ولما كانت اسرائيل لا تستبعد لجوء الدول العربية وايران الى استخدام ما لديهم من اسلحة دمار شامل كيماوية وبيولوجية وارتجاجية ضدها، ومنذ اللحظات الاولى للحرب لذلك اعتمدت اسرائيل على دمج الخيار النووي الذي تحتكره مع اساليب القتال التي تعتمدها قواتها التقليدية، سواء في اطار استراتيجية الردع إذ التلويح بالرادع النووي من الممكن ان يكبح جماح القيادات العربية عن استخدام اسلحتها الكيماوية والبيولوجية أو في اطار الاستخدام الفعلي للاسلحة النووية بدءاً بالنوعيات التكتيكية منها في اطار ميادين القتال ضد الجيوش، ثم التصعيد لاستخدام النوعيات النووية الاستراتيجية ضد المدن والاهداف الاستراتيجية في العمق. وفي كل الحالات تضع اسرائيل نصب اعينها اتخاذ مختلف اجراءات الوقاية والتطهير من اثار هجمات اسلحة الدمار الشامل ضد سكانها تحسباً لكل الاحتمالات، خصوصاً وانها تضع أمامها أن الدول العربية قد تتحمل ضربة نووية او اكثر ثم تستمر قي قبول التحدي، اما اسرائيل فإنها لا تتحمل ضربة واحدة حتى وان كانت اسلحة تقليدية في عمقها.
خصائص ميدان القتال المستقبلي
أ - التوسع الكبير في استخدام وسائل النيران، وما سيترتب على ذلك من كفاءة عالية في وجودها وتغطية انتاجها النيراني لمساحات شاسعة من المسرح، وهو سيؤدي الى الحد من قدرة الاطراف المتحاربة على المناورة الافقية والرأسية، او القيام باختراقات عميقة وبعيدة المدى في الجبهة بغية تحقيق نصر حاسم وسريع. لذلك من المنتظر ان تُعدّل اسرائيل من مهماتها القتالية لتعطي اولوية لإسكات وتدمير انظمة ووسائل النيران المعادية والقوة البشرية لخصومها، بدلاً من الاولوية التي كانت تعطيها في الماضي بسرعة اختراق الاراضي الى اعماق بعيدة في الاراضي العربية إذ لن تستطيع القوات الاسرائيلية ان تحقق اهدافها ومهماتها من دون إحداث تدمير حقيقي في قوات ووسائل نيران خصومها.
ب - تعدد المهمات القتالية التي ستكلف بها القوات الجوية. إذ الدراسات التي اجرتها المؤسسات الاستراتيجية والعسكرية في اسرائيل، انه خلال ال 48 ساعة الاولى من الحرب لن يكون بمقدور القوات الجوية الاسرائيلية ان تنفذ كل المهمات القتالية المعقدة التي يتطلبها ميدان القتال المستقبلي في وقت واحد. وأخطرها التعامل مع الصواريخ ارض - ارض المعادية قبل تشغيلها، وفرض السيطرة الجوية من خلال قصف المطارات المعادية وشلها وتدمير وسائل الدفاع الجوي الارضية، بالاضافة الى توفير الحماية الجوية في سماء اسرائيل وفوق مناطق عمل قواتها البرية، كذلك تقديم المساندة النيرانية للتشكيلات البرية اثناء هجومها، وللبحرية الاسرائيلية في عملياتها الافتتاحية، الى جانب القصف الاستراتيجي في اعماق دول المساندة العربية لمنع قواتها من التحرك في اتجاه الجبهة لدعم جيوش دول المواجهة. وحلت اسرائيل هذه المعضلة بإعطاء دور اكبر للصواريخ ارض - ارض اريحا في التعامل مع اهداف العمق الثابتة، كذلك الاعتماد على الطائرات من دون طيار المحملة بمواد متفجرة كأسلحة خمد في إسكات وتدمير المطارات ووسائل الدفاع الجوي الارضية المعادية، وتعظيم دور المدفعية في توفير المساندة النيرانية المباشرة للقوات البرية في عملياتها، واعطاء استقلال نيراني ذاتي للتشكيلات البحرية في مهماتها بعيدة المدى من خلال دعمها مسبقاً بأعداد من طائرات القتال.
ج - كثافة وموانع التحصينات الهندسية الدفاعية. ويقدر الاسرائيليون انه في مسرح عمليات الجولان، سيواجهون سلسلة من الخطوط الدفاعية الحصينة المدعمة بأنظمة نيران وموانع كثيفة ثابتة ومتحركة يصل عمقها الى 40 كم، وتمتد حتى ضواحي دمشق، وهو ما يشكل في نظر الاسرائيليين حائطاً حديدياً يصعب اختراقه بسبب تموضع هذه الدفاعات بواسطة فرق ميكانيكة ومشاة تتمركز خلفها فرق مدرعة في مناطق تمركز مجهزة هندسياً. وهذه الخطوط الدفاعية تحوي مئات الدبابات، وآلاف الصواريخ المضادة للدبابات، وراجمات الصواريخ، ومواسير المدفعية والعربات المدرعة، مع الآلاف من الجنود ينتشرون بطول المواجهة والعمق في مساحة لا تزيد عن 300 كم2، وبكثافة تصل الى 100 وسيلة نيران/ كم. ويستنتج الاسرائيليون انه في مثل هذه الظروف ليس من المتوقع ان تنجح القوات الاسرائيلية في استخدام اسلوبها القديم القائم على اتباع اساليب الاقتراب غير المباشر من اجل تجنب الدفاعات والالتفاف حولها. وسيتعين عليها ان تجابه حائط الحديد وتعمل على اختراقه، وهو ما سيكبدها خسائر جسيمة، لذلك من المتوقع ان تلجأ الى اساليب الحرب الجو/ برية التي تعتمد على مهاجمة كل الانساق الدفاعية في الامام وفي العمق في وقت واحد، وستكون مهمة القوات الجوية - خصوصاً المروحيات الاقتحامية والهجومية - التعامل مع الفرق المدرعة في الخلف في الوقت الذي تعامل فيه الانساق الاولى المدرعة الاسرائيلية المهاجمة مع الدفاعات الامامية السورية، وقد تلجأ اسرائيل الى الالتفاف من الاردن، عبر "ام درج" و"اربد"، وعبر نهر اليرموك في اتجاه القنيطرة/ قطنا دمشق، والاتجاه الثاني من لبنان عبر مرجعيون.
د - زيادة العمليات الليلية.
ه - التوسع في استخدام الذخائر الذكية والطائرات من دون طيار.
تقدير الميدان القتالي المستقبلي
يعتمد التصور الاسرائيلي لشكل ومتطلبات وخصائص ميدان القتال المستقبلي على ثلاثة تقديرات هي:
أ - تقدير اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية: ويهتم اساساً بتحليل قدرات الجيوش العربية وامكاناتها في المدى المتوسط حتى عام 2010، التي بإمكانها ان تعرقل تحقيق اسرائيل لغاياتها واهدافها القومية، مع اعطاء اهتمام خاص لعناصر الجيوش العربية القادرة على النيل من العمق الاستراتيجي واصابة اهداف المؤخرة فيه بخسائر جسيمة.
ب - تقدير رئاسة الاركان العامة: ويهتم هذا التقدير بتحليل طاقات وامكانات اسرائيل البشرية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية المتاح منها والممكن بفعل دعم خارجي محتمل، ومدى قدرة قواتها المسلحة على تنفيذ ما تكلف به من اهدف ومهمات استراتيجية، ومطالب التطوير الضرورية او اللازمة لكل فروع القوات المسلحة الاسرائيلية، ولتقليص حجم الخسائر المتوقعة الى أدنى حد.
ج - تقدير مركز التنبؤات التكنولوجية: يعتبر مسؤولاً عن تقدير الموقف التكنولوجي والعلمي في الدائرتين الاقليمية والدولية، حالياً ومستقبلاً حتى عام 2010، وتحديد مطالب اسرائيل من هذه التكنولوجيا في المجال الأمني، والوسائل والطرق اللازم اتباعها للحصول على هذه التكنولوجيا، وبالاهمية نفسها الوقوف على المستوى التكنولوجي المتوقع ان تكون عليه الدول العربية وايران مستقبلاً، وكيفية المحافظة على الفجوة التكنولوجية بين اسرائيل وبينهم، والسعي الى توسيعها.
* لواء ركن متقاعد، خبير استراتيجي مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.