جلس البابا شنودة الثالث في قاعة مجلس الشعب المصري البرلمان امس اثناء القاء الرئيس حسني مبارك كلمته في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة وعلى يمينه المفتي الدكتور نصر فريد واصل وعلى يساره شيخ الازهر الدكتور محمد سيد طنطاوي. وركزت عدسات التلفزيون المصري وهي تنقل وقائع الجلسة على الهواء مرات عدة على المشهد من دون ان يكون الامر مصادفة. فالاوساط الاعلامية والسياسية المصرية ظلت طوال الايام الماضية مشاركة للرأي العام في حملة مضادة لحملة غربية زعمت تعرض الاقباط المصريين للاضطهاد، استغلت خلالها احداث قرية الكُشح التي وقعت قبل اشهر كدليل على صحة تلك المزاعم. وكان شنودة وطنطاوي وواصل شاركوا خلال الايام الماضية في ندوات ومؤتمرات واجتماعات شعبية خصصت للرد على ادعاءات اقباط في المهجر ساعدهم في ترويجها بعض وسائل الاعلام الغربية. واللافت ان الغضب المصري الرسمي والشعبي تجاه محاولات اثارة نعرة الفتنة الطائفية تزامن مع استنكار شعبي جارف للسياسات الاميركية في المنطقة يظهر جليا في تناول الصحف القومية والحزبية لأنباء الضربة الاميركية المحتملة للعراق والتظاهرات التي نظمها الطلاب في الجامعات واحاديث ائمة المساجد وخطبهم في صلاة الجمعة اول من امس، وبينها كلمة طنطاوي التي القاها عقب الصلاة امام مئات المصريين الذين تجمعوا في صحن الجامع الازهر ودعا فيها الى نصرة الشعب العراقي. وربما تكون المواءمة السياسية منعت شيخ الازهر من ان يسمي الاميركيين في حديثه، الا ان كل الحاضرين فهم ان طنطاوي كان يقصد بالظالمين والمعتدين الاميركيين. ورغم انه اصدر بيانا أمس نفى فيه ان يكون دعا الى الجهاد ضد الاميركيين، الا ان الكثيرين رأوا أنه اضطر لاصدار النفي لظروف سياسية. ولا يفصل المصريون كثيراً ما بين الحديث عن ضربة اميركية محتملة للعراق وبين الحملة على مصر والمزاعم عن اوضاع الاقباط. ولم تخلُ احاديث الرئيس حسني مبارك نفسه اخيرا من اشارات تحذر من ضرب العراق، وكذلك استنكار للحملة الغربية ضد مصر في خصوص قضية الاقباط. وسخر مبارك من الادعاء بتعرض الاقباط للتعذيب حينما سئل عقب اجتماع الهيئة البرلمانية للحزب الوطني الحاكم الاسبوع الماضي عن الموضوع، وقال: "التعذيب كان قبل قرون". وحينما سئل وزير الداخلية عن قصة احداث قرية الكشح، شدد على ان الحملة ضد مصر مُدَبّرة ولا علاقة لها بما حدث في الكشح. وقال: "لو لم تكن الكشح لكانت غيرها". ويعتقد المسؤولون المصريون ان الحملة الغربية ضد مصر جاءت رداً على الموقف المصري الداعم للقضية الفلسطينية والمتصدي لسياسات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو وان اللعب بورقة الاقباط يتزامن دائما مع اتخاذ مصر مواقف مغايرة للتوجهات الاميركية. ويبدو سماح اجهزة الامن المصرية للطلاب بالتظاهر في الجامعات وعدم التعرض للمؤتمر الجماهيري في الازهر واتساع رقعة الهجوم على اميركا في الصحف متوافقا مع الموقف الرسمي الذي عبر عنه مبارك عندما سئل عن موقفه من قضية الجاسوس الاسرائيلي عزام عزام الذي تطالب اسرائيل باطلاقه عندما أكد ان مصر "لا تقبل الضغوط من اي جهة". وليس سرا ان الجهة التي يمكن ان تمارس ضغوطا هي اميركا. ووصف نائب البابا شنودة القمص مرقس ما تزعمه "الاشاعات الغربية من ان ثمة تفرقة أو خلافات بين الشعب المصري" بأنه "اكذوبة يبتدعها الغربيون من اجل اثارة الفتن"، مؤكداً ان المسيحيين في مصر يرفضون ذلك. وجاء حديث مرقس اثناء استقباله محافظ قنا السيد صفوت شاكر الذي زار دير ماري جرجس في منطقة الرزيقات حيث يقام الاحتفال بمولد ماري جرجس. وفي المقابل فإن المحافظ أكد "ان الشعب المصري بطبيعته متسامح يكره العنف ويعرف بالتآلف والتآخي بين أبنائه"، مشيرا الى ان "ما حدث من ظواهر ارهابية كان بتدبير أيادٍ سوداء تتربص بمصر، محاولة التأثير في أمنها واقتصادها، لكن عظمة الانسان المصري اقوى من ذلك".