وقع الرئيس الاكوادوري جميل معوض وزميله البيرواني البيرتو فوجيموري في 26 تشرين الاول اكتوبر الماضي في العاصمة البرازيلية على اتفاقية ثنائية لانهاء النزاع القائم بين البلدين منذ ترسيم الحدود عام 1941 على اثر استقلالهما عن "الامبراطورية الاسبانية" التي كانت قائمة في اميركا اللاتينية منذ عهد الاكتشافات الجغرافية الذي بدأ على يدي كريستوفر كولمبس في نهاية القرن الخامس عشر. تسبب النزاع الحدودي طوال ما يقرب من الپ50 عاماً الماضية في نشوب عدة حروب، كانت آخرها وابرزها تلك التي وقعت في عامي 1981 و1995، وراح ضحيتها عدة مئات من الجانبين. حضر حفل التوقيع ضيفا الشرف الملك الاسباني خوان كارلوس الاول والملكة صوفيا، وكل من توماس مالارتي ممثلا للرئيس الاميركي بيل كلينتون، والرئيس البرازيلي انريكي كاردوسو، والرئيس الارجنتيني كارلوس منعم، والتشيلي ادواردو فريي، باعتبارهم يمثلون الدول الضامنة لتنفيذ الاتفاق الاول الذي سبق ورفضه الجانبان لأسباب مختلفة. وقررت تلك الدول ايضاً تقديم دعم مادي للجانبين لتنمية المنطقة المتنازع عليها التي تقرر ان تكون منزوعة السلاح. يرتكز الاتفاق الذي وقعه الرئيسان جميل معوض والبيرتو فوجيموري على اعادة التأكيد على ترسيم الحدود في المنطقة المتنازع عليها في مرتفعات الكوندور، التي تبلغ مساحتها حوالى 78 كيلومترا، باعتبار ان الحدود الطبيعية بينهما هي اقصى ارتفاع تبلغه جبال الكوندور في المنطقة الفاصلة بين الاكوادور والبيرو. الترسيم الجديد لهذه الحدود كان يتضمنها الاتفاق السابق الذي تم توقيعه في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، ولم يتم وضعه موضع التنفيذ العملي لأن الاكوادور ظلت تطالب بمزيد من الاراضي لضمها الى حدودها نظراً لعدم تطابق الحدود التي تم ترسيمها مع التضاريس الجغرافية. الى ذلك كان الاتفاق السابق يترك الاكوادور بلا منافذ بحرية او نهرية تسمح لها بحرية الحركة بعيداً عن تسلط جيرانها. وقبولها لترسيم الحدود السابق كان يعني تحولها الى دولة داخلية منعزلة. حاول الاتفاق الجديد ان يرضي الطرفين على اساس موافقة البيرو على ان جزءاً من الاراضي المتنازع عليها بين الطرفين، ولا تزيد عن كيلومتر واحد مربع، يتم الاعتراف بملكيتها لدولة البيرو، وتتنازل عن حقوق استغلالها لدولة الاكوادور بشرط عدم نقل اي عتاد عسكري اليها. ينص الاتفاق ايضاً على عدم دخول اي قوات عسكرية تابعة للقوات المسلحة او البوليس المسلح الاكوادوري الى تلك المنطقة، وتستطيع الاكوادور ان تقيم على تلك القطعة من الاراضي احتفالات وطنية سلمية، على ان تكون اقامة مثل تلك الاحتفالات بموافقة الطرفين. هذا الجزء الاخير من الاتفاق الذي تضمنه الولاياتالمتحدة والدول الاخرى المجاورة للبلدين في اميركا الجنوبية بهذه الصيغة الضبابية، لا يخرج عن كونه تكراراً للصيغة السابقة، التي تعتبر في جوهرها نسخة من صيغة الاستقلال الذي حصل عليه البلدان من اسبانيا، الذي رسمته تلك القوة الاستعمارية بطريقة تضمن لها ممارسة الهيمنة على البلدين من خلال وضع العديد من العبارات غير الواضحة التي يتطلب تفسيرها تدخلها الدائم. وهو ما وقع بالضبط، عندما اعلنت الاكوادور عام 1960 عن عدم التزامها بالاتفاق، لأنه يمنح البيرو جزءاً من الاراضي التي تعتبر الاكوادور ان لها فيها حقوقاً تاريخية، بينما كان السبب الحقيقي وراء هذا الموقف انباء غير مؤكدة تحدثت عن وجود بترول وذهب ومعادن ثمينة اخرى في باطن تلك الاراضي، وهو الامر الذي يمكن ان يكون صحيحاً ولكنه لم يتأكد حتى الآن، ولهذا السبب يمكن ان يكون الاتفاق الجديد طريقاً لعودة تلك النزاعات المسلحة في المستقبل. هذا الاتفاق الجديد الذي وقعه رئيسا الاكوادور والبيرو، ووصفته وسائل الاعلام الرسمية بأنه "اتفاق تاريخي"، يعتبره المحللون السياسيون انه "ليس افضل من الاتفاق الذي سبقه"، لانه حسب المراقبين السياسيين لا يزال يتضمن بعض التعبيرات الهلامية، التي يبدو انها متعمدة من جانب الدول الضامنة له، وخصوصاً الولاياتالمتحدة، ما يعني وضع في يد كل طرف السلاح الذي يمكنه من نقض الاتفاق من دون ان يكون مخالفاً له، حتى تظل المنطقة معرضة لتدخل القوة الاستعمارية السابقة. يبدو ان رئيسي الاكوادور والبيرو يرغبان حالياً في هذا الاتفاق الجديد لأسباب سياسية خاصة بهما. فالرئيس جميل معوض رئيس الاكوادور الجديد، لم يمض على توليه منصبه سوى ما يزيد قليلاً عن شهرين وفي حاجة الى دعم الولاياتالمتحدة ودول اميركا اللاتينية الاخرى للخروج من الازمة الاقتصادية التي ورثها عن رئيس البلاد السابق. بينما يسعى الرئيس البيرتو فوجيموري الى اعادة انتخابه رئيساً للبيرو لفترة رئاسية ثالثة، على رغم ان دستور بلاده يمنعه من ذلك، لكنه يعتقد ان تحقيق سلام - ولو مؤقت - مع جارته الاكوادور، يمكن ان يكون له تأثير شعبي مماثل للتأثير الذي حصل عليه بعد اعتقال زعيم الحركة الماوية الدرب المضيء.