منذ سنة 1988، بدأ ميلاد طوق عمله كمدير تصوري في افلام روائية ووثائقية وموسيقية ودعائية وعمل ضمن استديوهات روسية وأوروبية شتى. تابع دراسته الفنية في معهد VGIK في موسكو، وشارك في الكثير من المهرجانات الدولية ونال جائزة برغمان عن افضل تصوير في مهرجان فنلندا 1990. لبنانياً، عمل كمدير تصوير في فليمَيْ "الإعصار" لسمير حبشي، و"آن الأوان" لجان كلود قدسي. عن العلاقة التي تربط التصوير بالإخراج والرسم بالسينما، كانت لنا معه هذه المقابلة. المصوّر مخرج بصري. كيف يتلاقى برأيك الخط الدرامي للقصة بالخط الدرامي الذي يخلقه الضوء؟ - ان تقينة الضوء هي حجر الزاوية في العمل السينمائي لأن السينما فن بصري في الاساس: الضوء، اللون، تركيب الصورة، الحركة ... الصورة هي التي تصنع جو الفيلم. كما ان هناك تطوراً درامياً للقصة من بداية وعقدة ونهاية، او من إشكالية ما. كذلك الضوء يتابع هذه الدراما وينطق بأشياء كثيرة وكأنه حوار من نوع خاص. فالعتمة مثلاً او الظلال القوية والألوان المستعملة بحدّتها او نعومتها، لغة لا تقل اهمية وإن صامتة. كيف تحدد العلاقة بين المخرج ومدير التصوير، وهل يتدخل مدير التصوير احياناً بشكل حاسم في الرؤية التي يريد المخرج رسمها؟ - المخرج هو الذي يخلق الجو الدرامي للفيلم ويحدد مساره العام من خلال الايقاع المعتمد وتنامي الحدث او القصة وإدارة الممثلين. اما مدير التصوير فيهتم، لدى استلامه السيناريو، بكل الحلول الفنية والكادرات والأماكن واختيار الوقت والأسلوب البصري الذي يجب اتباعه والألوان بفوارقها الدقيقة. كل ذلك هو حصة مدير التصوير ويتم مناقشته مع المخرج. مدير التصوير الحقيقي يملك اسلوبه الخاص به كما المخرج ويمكن التعرف الى اسلوبه مهما اختلف المخرج او اختلفت نوعية الأفلام التي يعمل فيها، وهذا من خلال الوسائل التقنية والفنية التي يعتمدها. هذا الكلام لا ينفي مسألة ان كل فيلم يفرض جوّه الفني ويخضع بكل جوانبه الفنية لاختبار يقوم به مدير التصوير مع الحفاظ طبعاً على الرؤية الاساسية للمخرج والطريقة التي يتصور بها الشكل النهائي للفيلم. ان الانسجام بين المخرج ومدير التصوير دفع بعض المخرجين الكبار الى اعتماد مدير تصوير واحد في افلامهم. برغمان مثلاً غير نادم على اعتزال السينما بل نادم بالأحرى لأنه توقف عن العمل مع مدير تصويره المفضل سيفن نيكويست. برثولوتشي اشتغل معظم افلامه مع مدير التصوير فيتوريو ستورارو. من هنا، فان الانسجام بين المخرج ومدير التصوير مُغْنٍ للسينما على كل الاصعدة ولا ينفي اطلاقاً استقلال اسلوب كل منهما. الى اي نوع من الافلام تميل، وهل تستهويك بشكل خاص الافلام التي يتم فيها اتقان الصورة لتقارب ما يشبه اللوحة الفنية؟ - الافلام التي تسحرني هي افلام بيتر غرينواي، تلك التي عمل فيها مدير التصوير ساشا فرني. في اعتقادي، بيتر غرينواي من اكثر المخرجين الذين قاربوا في افلامهم اللوحة الفنية وخصوصاً في فيلمي "الطبّاخ والسارق وزوجته وعشيقها"، و"الموت في حديقة انكليزية". بيتر غرينواي مخرج يحكي القصة البصرية للفيلم متوسلاً لوحات الفنانين الذين عاشوا في العصر الذي ينتمي اليه هذا الفيلم وطبعوه بطابعهم. في فيلمه "كتاب برسبيرو" الذي اقتبست قصته من مسرحية "العاصفة" لشكسبير، استلهم اجواء العصر كلها والأسلوب الفني السائد آنذاك من رسومات الفنانين بما تحتويها من ازياء وألوان وتعابير وحركات وأشكال هندسية ومعمارية وأضواء وظلال ... ولم يتوقف سعيه الفني عند هذا الحد فقط بل استطاع ربط الماضي بالحاضر متوسلاً اكثر التقنيات حداثة في السينما. كما اعشق ايضاً اعمال المخرج جرمان وخصوصاً فيلمه "كارافاجيو" وأفلام كوروساوا وموريس بيلا. هؤلاء المخرجون لم يريدوا فقط صناعة الجو الدرامي او خلقه في الفيلم بشكل متقن بل عملوا ايضاً وبإحساس فريد على جمالية الصورة في حد ذاتها وشاعريتها وكأن الفيلم يخدم بالدرجة الاولى الرؤية البصرية ويبرزها. هذا الجواب يشكل مدخلاً للكلام عن اطروحة الدكتوراه التي انت في صدد انجازها وإصدارها ككتاب: "تأثير تقاليد الرسم العالمي في السينما كفنّ بصري"... - خلال عملي كمصوّر فوتوغرافي وكمصوّر سينمائي، اكتسبت الضوء بشكل اساسي من مشاهدتي للوحات الرسّامين التي كنت اغرف من نبعها باستمرار. ان هذه اللوحات تشكل بالنسبة لي المرجع الأساسي لاستلهام الفترة او العصر الذي اريد تحقيقه بصرياً لأنها تحتوي التفاصيل الفنية اللازمة لذلك. مدير التصوير كالرسّام، ريشته وألوانه هي بروجكتوراته التي يرسم بها التفاصيل والألوان والأزمنة والأجواء. درست في اطروحتي تطور فن الرسم والتصوير من الجدرانيات الى اللوحة الفنية مروراً بالصورة الفوتوغرافية وانتهاء "موقتاً" بالصورة السينمائية. الصورة السينمائية هي ابنة الفنون التصويرية التي سبقتها، كما تناولت العلاقة المباشرة بين الرسم والصورة السينمائية بسياقها البصري والموضوعاتي من خلال مخرجين ومديري تصوير ومديرين فنيين عملوا مباشرة على اللوحة الفنية وجسّدوا ذلك في الصورة المتحركة. أي الرسامين أقرب الى عالمك؟ - أحب الضوء في لوحات رامبرانت وكارافاجيو، ألوان بسارو ومانيه والسحر الخاص الذي تتمتع به رسوم "فان غوغ". ولا أنسى انجذابي الى لوحات موديلياني