تكشف الاستفتاءات التي أجرتها عدد من الصحف والمجلات البريطانية والأميركية حول أهم الكتب والروايات المكتوبة في القرن العشرين عن نزعة غربية مركزية، ان لم نقل نزوع للتقوقع الثقافي داخل اللغة، والتواصل فقط مع ما أنجزه كتاب هذه اللغة. فعلى أبواب القرن الواحد والعشرين يبدو الأميركان والإنكليز جاهلين بالثقافات الأخرى، لا يعرفون عنها إلا أقل القليل، أو أنهم يبدون قانعون بما يروجه أعلام بلادهم عن الثقافات الأخرى من معلومات غير صحيحة تغلب عليها الطبيعة القالبية الجاهزة العصية على التغير. في استفتاء أجرته أخيراً صحيفة "النيويورك تايمز" الأميركية حول "أهم مائة رواية مكتوبة بالإنكليزية خلال القرن العشرين "تتصدر رواية" يوليسيز "لجيمس جويس رأس قائمة الروايات المائة، وتحتل روايته الأخرى "صورة الفنان في شبابه" المرتبة الثالثة. وسوف نعثر في القائمة كذلك على أهم الأسماء الروائية الإنكليزية والأميركية في القرن العشرين: وليام فوكنر، د.ه.لورنس، جون شتاينبك، جورج أورويل، هنري جيمس، جون دوس باسوس، غراهام غرين، ألدوس هكسلي، جوزيف كونراد، لورنس داريل، ارنست همنجواي، ايريس موردوخ، جاك لندن، وغيرهم. لكننا لا نعثر إلا على عدد قليل من الروايات التي كتبها روائيون من أعراق أخرى بالإنكليزية، وهي تعد على أصابع اليد الواحدة: "لوليتا" لفلاديمير نابوكوف، و"نيران ذابلة" لنابوكوف أيضاً، و"بيت للسيد بيسواس" ل ف.س.نيبول، و"منحنى النهر" لنيبول كذلك، و"أطفال منتصف الليل" لسلمان رشدي" في الوقت الذي تغيب عن قائمة الروايات المائة روايات أساسية، كتبها زنوج أميركيون وكتّاب أفارقة ويابانيون وكاريبيون، وتمكنت من التأثير في حساسيات القرن العشرين الجمالية. يكشف غياب الأعراق الأخرى، وقلة عدد الروائيين من أصول انكليزية - أميركية، عن تقليدية الذوق الأميركي وقدرة الإعلام، والسينما والمسلسلات التلفزيونية التي تبث ليل نهار على شاشات القنوات الأرضية والفضائية التي لا حصر لها، على تشكيل هذه الذائقة بغض النظر عن مهن المشاركين في الاستفتاء وقربهم الشديد من عالم الثقافة أو بعدهم عن هذا العالم. ما يهمنا من هذه النتائج هو ما تكشف عنه من توجهات ثقافية في المجتمع الأميركي بشكل خاص، وانسجام الفرد الأميركي داخل محليته. ولعل هذا الجهل بالثقافات الأخرى هو ما يجعل أطروحة مهلهلة مثل أطروحة صمويل هنتنغتون عن "صراع الحضارات" في القرن المقبل تنتشر مثل النار في الهشيم وتصبح معياراً استراتيجياً للتفكير بالعلاقة بين الثقافات وإمكانية نشوء صراعات دموية بينها لأسباب ثقافية!، كما يجعل أطروحة سابقة حول "نهاية التاريخ" لفرانسيس فوكوياما تلقى اهتماماً غير عادي في الأوساط الثقافية والإعلامية الأميركية كذلك. ان المجتمع الأميركي مهيأ، لأسباب داخلية معقدة، لقبول ما تنشره وسائل الإعلام عن الثقافات والشعوب الأخرى، ولذلك ليس غريباً أن تغيب روايات كتبها أفارقة وزنوج أميركان وكاريبيون ويابانيون وآسيويون عن استفتاء نظمته واحدة من كبريات الصحف الأميركية، الشديدة الانتشار في العالم، للكشف عما ستحتفظ به ذاكرة القرن الواحد والعشرين المقبل من الإنجاز الروائي للقرن العشرين. * كاتب أردني