على غير ما كان سائداً في السنين الأخيرة، عادت سياحة الآثار في مصر لتجتذب السياح العرب من جديد، لا سيما في منطقة أهرامات الجيزة وابو الهول التي ُتبين آخر الاحصاءات ارتفاع عدد زوارها من العرب في الشهور الثمانية الاولى من السنة الجارية إلى 150 ألف زائر مقابل 50 ألفاً زاروها في الفترة نفسها من العام الماضي. وعودة الاهتمام بسياحة الآثار لجهة السائح العربي ُتذكِّر بحقبة السبعينات عندما كانت زيارة ام الكنانة لا تكتمل من دون استكشاف منطقة أهرامات الجيزة والاستمتاع بالانشطة السياحية المتوافرة فيها كامتطاء الخيول والِجمال في منطقة الهضبة وعند مشارف صحراء سيناء، وركوب عربات "الحنطور" الشعبية في أزقة القرى المتاخمة، او مجرد ارتشاف فنجان من القهوة في حديقة "متحف الملك فاروق" القائم فوق هضبة الأهرامات، ليعرض منحى معاصراً من تاريخ مصر. ويحرص السياح عادة على زيارة هرم الجيزة الكبير الذي يُعد آخر ما تبقى من عجائب الدنيا السبع. وهذا الهرم سماه الفراعنة "آخت خوفو" أي أفق خوفو، وقدَّر الباحثون عدد الأحجار المستخدمة في بنائه ب 300،2 مليون حجر بما فيها أحجار الكساء الخارجي. وكان ارتفاعه الأصلي 146 متراً، وصار الآن 137 متراً تقريباً. ويعد هرم الفرعون خفرع، ثاني أهرامات الجيزة لجهة الحجم من أعظم النماذج للمقابر الملكية في الدولة القديمة من العصر الفرعوني. ويقع الهرم الثالث، هرم منكاورع، في الركن الجنوبي من هضبة الاهرامات، ويمتاز بمحافظته على جزء كبير من كسائه الجرانيتي حتى اليوم. وإضافة الى الأهرامات الكبيرة الثلاثة في الجيزة، شيد الفرعون خوفو مقابل هرمه، ثلاثة أهرامات صغيرة لزوجاته، تم السماح للسياح أخيراً بدخولها. ويستمتع السياح الخليجيون عادة بممارسة رياضة ركوب الخيل واِلجمال في سفوح الهضبة التاريخية، فيما تفضل الأُسَر ركوب "الَكِرتة" للتجول في المنطقة. أما حفلات الصوت والضوء باللغة العربية، فتشهد إقبالاً متزايداً في فصل الصيف، موسم السياحة العربية في مصر. وتعتبر منطقة الأزهر أحد أهم أماكن الجذب السياحي ليلاً، إذ يأتي اليها السياح العرب للاستمتاع بمشاهدة، واحد من أكبر وأشهر الميادين الأثرية في العالم. وهم يفضلون في هذه المنطقة تناول الوجبات الشعبية المصرية مثل الكفتة والكباب والرز باللبن والكشري والكوارع لتنتهي السهرة بجلسة على أحد المقاهي الشهيرة في المنطقة. وفي الصباح ترى نوعية مختلفة من السياح الخليجيين في منطقة الأزهر، إذ يقصدها الدارسون والمثقفون وأساتذة الجامعات العربية للحصول على نوادر المطبوعات التراثية من حارات المشهد الحسيني والصنادقية، خصوصاً مطبوعات مكتبات "الحلبي" و"دار التراث الأزهري" و"دار الحديث" وغيرها كثير. وتستطيع أن تتعرف على تلك النوعية من السياح، بالنظر إلى أعداد الكتب التي يحملونها عبر الأزقة الشعبية حتى خروجهم الى شارع الأزهر الرئيسي في المنطقة. ويأتي السياح الخليجيون إلى المنطقة في الصباح للاطلاع على آثارها، وأهمها جامع الأزهر القائم منذ ألف عام، لا سيما بعد الانتهاء من مشروع ترميمه. ولا يفوت السياح العرب في مصر، خصوصاً الخليجيين منهم زيارة حي الغورية، لشراء الأنواع التقليدية من المنسوجات المصرية، وكل ما يتصل بتجهيز العرائس. وترجع شهرة الحي الى العصر المملوكي عندما تركزت فيه تجارة الأقمشة، سواء ما كان يصنع منها في مصر أو ما يجلب من بعلبك والمغرب والهند. وتعتبر منطقة الغورية أحد معالم العاصمة الأثرية إذ تضم آثاراً مهمة الى جانب عمائر السلطان الغوري التي منحت هذا الحي تسميته الخالدة. ويستطيع السائح أن يزور وكالة الغوري، وهي وكالة كانت تستخدم لمبيت التجار وتخزين السلع التجارية، وبها مركز للحرف التقليدية مثل الصدف وصناعة الخيام. ويحرص الكثير من السياح العرب الذين يتخذون من العاصمة مركزاً لإقامتهم، على زيارة المتاحف القريبة، خصوصاً "متحف قصر المنيل" الذي يقع بالقرب من "فندق المريديان" ويفضله الكثير من سياح دول الخليج، لا سيما من السعودية. وبلغ عدد زوار المتحف من العرب في الشهور الثلاثة الأخيرة 130،2 ألف زائر، ويتميز بطابع القصور الأندلسية، فضلاً عن وجود قاعة للعرش فيه، وسراي للاستقبال شيدها الأمير محمد علي على طرز فنية عدة، منها الطراز المغربي، وآخر منقول من أحد قصور آل العظم في دمشق، فضلاً عن غرف نوم مستلهمة من الطراز الفرنسي. وكشف رئيس هيئة الآثار المصرية الدكتور جاب الله علي جاب الله ل"الحياة" عن خطط تقوم الهيئة حالياً بتحضيرها، لاجتذاب السائح الخليجي، والعربي في صورة عامة، إلى آثار مصر. وأضاف أن المجلس الأعلى للآثار استضاف أخيراً مجموعة من الاثريين العرب، بالتعاون مع "المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" اليسكو، بهدف تدريبهم في مواقع أثرية مصرية وتوعيتهم بأهميتها تاريخياً وسياحياً. وأكد جاب الله أنه في إطار جذب السائح العربي لآثار مصر، سيصدر المجلس مجموعة من الأدلة الاثرية باللغة العربية بهدف تسهيل تجوال السياح العرب في المناطق الاثرية وتعريفهم بها بطريقة صحيحة. ولفت جاب الله إلى أن الهيئة أصدرت أخيراً دليلاً باللغة العربية لمتحف "كوم أوشيم" في الفيوم، وتنوي تعميم الخطوة لجهة المتاحف الأخرى. واعتبر جاب الله أن الاثار المصرية تاريخ مفتوح، تكشف كل يوم عن أسرارها، ما يجعلها مادة متجددة لجهة جذب السياح العرب، بعد أن وضح تجدد اهتمامهم بها.