مظاهر عدة في الجزائر، حالياً، تغري بالمقارنة بين المرحلة التي بدأت في بلد المليون شهيد في الخامس من تشرين الأول اكتوبر 1988 وبين المرحلة الجديدة التي اطلقها الرئيس اليمين زروال بقراره تقصير مدة ولايته والدعوة إلى انتخابات مبكرة. أولى هذه المظاهر: اعتبرت غالبية المهتمين بالأوضاع الجزائرية ان قرار زروال يجد تفسيره في صراعات الأجنحة العسكرية وأنه نتيجة "ثورة في القصر"، كما حصل للرئيس الشاذلي بن جديد بعد تطورات الخامس من تشرين الأول. ثانية هذه المظاهر، دفع كل من زروال والشاذلي ثمن مواجهته مع جنرالات لم يرتاحوا إلى نهج سياسي يؤدي إلى تقليص نفوذهم في الدولة وإدارة شؤونها. ثالثة هذه المظاهر، لجأ كل من الرجلين إلى رفع شعارات التعددية والديموقراطية وتقوية المؤسسات المنتخبة من أجل تقوية موقعه في المواجهة. ووجدت صحيفة جزائرية، في مقال افتتاحي، ان هذا التشابه قائم، إلى حد أنها تساءلت عمّا تغيّر في البلاد منذ عقد من الزمن، سواء لجهة الصراع على "الكرسي الرئاسي" أو لجهة الإدارة "الفاسدة" لشؤون الدولة أو لجهة استمرار العنف. ولذلك يصح التساؤل: هل أنهت الجزائر سدىً عقداً من عمرها؟ ربما لم تحمل السنوات العشر الماضية حلولاً مرضية وكافية للمشاكل الجزائرية المتراكمة، على كل المستويات، منذ الاستقلال. لكن أحداً لا يستطيع أن ينكر التحول المتمثل في نقل الساحة السياسية من أيدي مجموعة قليلة في السلطة إلى ممثلي الشعب، خصوصاً في الأحزاب المتعددة والمتنوعة فكرياً. وحتى لو شكك بعضهم بنيات زروال، خلال اجتماعيه مع قادة الأحزاب، فإن رسالته إليهم، كما أجمع من التقاهم الأسبوع الماضي، هي أن تنظيم الانتخابات وضمان نزاهتها بين أيدي احزابهم، وان اختيار الرئيس المقبل بين أيدي الشعب. وفي ذلك، على أقل تقدير، نقل التحدي الكبير إلى ملعب هذه الأحزاب التي وضعت أمام مسؤولية تصحيح ما شكت منه، أي تحويل قضية السلطة من "صراع في القصر" إلى عهدة الأحزاب وناخبيهم. ويصبح التساؤل هنا عن مدى قدرة هذه الأحزاب على التخلص من تأثيرات المجموعة العسكرية، ونجاحها في جعل العملية الانتخابية انعكاساً لرغبة غالبية الناخبين. أظهرت الأيام القليلة الماضية ان هذه الأحزاب تحاول أن تقوم بدورها، خصوصاً لجهة سعي كل منها إلى البحث عن تحالفات، مع ما يعنيه ذلك من استعداد لتنازلات وتضحيات في جانب من سياستها، كسباً لتعزيز دورها. أي أنها تحاول الانتقال من موقع الموالاة التامة أو المعارضة التامة مع ما يعكس هذا الموقع من علاقات زبونية والتحاق على موقع المؤسسة المستقلة القادرة على التأثير. لا يعني الوصول إلى هذه المرحلة المتطورة من الحياة السياسية ان كل المشاكل الجزائرية قد حلّت وقف تدخل الجيش بالسياسة واحترام المؤسسات المنتخبة والتنفيذية، معالجة الأزمة الاقتصادية، حل ملفات حقوق الإنسان، مما يساهم كثيراً في إنهاء أعمال العنف، لكنه يعني ان الفرص أصبحت متوافرة أكثر من السابق لتستعيد الجزائر استقرارها الداخلي ومكانتها الاقليمية والدولية. وإذا لم تنجح هذه العملية فستكون الجزائر خسرت فعلاً عقداً من عمرها.