تحول الفلسطينيون خلال هذا القرن من كونهم يشكلون الغالبية الساحقة لسكان المنطقة الواقعة بين الاردن والبحر الابيض المتوسط الى اقلية تسعى الى اقامة دولة على ارض لا تزيد مساحتها عن 20 في المئة من وطنهم. والفلسطينيون محقون في اعتقادهم انهم قدموا ما يكفي من التنازل، باستعدادهم للقبول بوجود دولة اسرائيل على الجزء الاعظم مما يعتبروه ارضهم، وليس من المعقول اطلاقاً ان يُطلب منهم تقديم المزيد امتثالاً لما تريده اسرائيل. تعلن كل حكومة اسرائيلية منذ 1967 ان القدس هي عاصمة اسرائيل. ومنذ عام 1967، في انتهاكات مباشرة للقانون الدولي وميثاق جنيف الرابع للعام 1949 وقرارات مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة، سعت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة الى زيادة السكان اليهود في القدسالشرقيةالمحتلة، بشكل اساسي عبر اقامة سلسلة مستوطنات على اراضٍ اُنتزعت من مالكيها العرب. ومنذ 1993، تتجاهل هذه الخطوات عملية اوسلو للسلام التي تدعو الى تعليق كل الانشطة الاستيطانية من قبل اسرائيل، بانتظار مفاوضات الوضع النهائي بين الطرفين. وعلى امتداد 18 سنة، استفادت الحكومات الاسرائيلية في انشطتها غير الشرعية في القدس من جماعة "عطيريت كوهينيم" التي يمولها جزئياً ايرفينغ موسكوفيتش، المليونير المقيم في فلوريدا. ومن الحقائق المعروفة ايضاً على نطاق واسع في اسرائيل ان "عطيريت كوهينيم" حصلت على اموال من الحكومة الاسرائيلية في الثمانينات ومطلع التسعينات. ولا تخفي "عطيريت كوهينيم"، التي تلقى ايضاً دعم "اليمين المسيحي" في الولاياتالمتحدة، اهدافها الرئيسية. فهي تسعى الى إعادة الوجود اليهودي الى اجزاء من القدس حيث كان انتهى عقب اعمال احتجاج قام بها العرب في العشرينات والثلاثينات. وهي تريد ان "تسترد القدس" وتعيدها الى اليهود وتنشىء "حياً جديداً ومزدهراً لليهود" في حارتي المسلمين والنصارى في المدينة القديمة. وسيكون من الخطأ الاعتقاد ان الجماعة ستتوقف عند الاحياء المختلطة في القدسالشرقية. ومن المشكوك فيه على المدى البعيد ان تتضمن رؤيتها اي مكان للعرب في ما تعتبره عاصمة دولة اسرائيل. تتبجح هذه الجماعة اليهودية الارثوذكسية علناً بنجاحها. فما لا يقل عن 30 من المباني التابعة لها يقطنها يهود في الوقت الحاضر، وترتفع فوق هذه المباني - التي تعتبر بمثابة رأس جسر - اعلام اسرائىل وسط مآذن المساجد القديمة وابراج الكنائس. لنا ان نتذكر ان الجماعة اثارت ضجة اعلامية في انحاء العالم في ايار مايو الماضي عندما انشأت سبعة اكواخ من الصفيح داخل حارتي المسلمين والنصارى. واستفز هذا التحدي الفلسطينيين واثار احتجاجات ادت الى اعمال عنف. واستجاب إيهود اولمرت رئىس بلدية القدس المتشدد والمتطرف، الذي لا يمكن اعتباره صديقاً للعرب في المدينة، لمناشدات مسؤولين في مكتبه وطلب من الجماعة ان تغادر هذا الموقع الحساس خلال 24 ساعة. وبعد رحيل الجماعة قام عمال البلدية بإزالة الاكواخ. وتشير تقارير من اسرائيل الى ان الجماعة قدمت اقتراحاً رسمياً لبناء عمارة تضم شققاً سكنية بالاضافة الى مدرسة على هذا الموقع. ودعا فيصل الحسيني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية المسؤول عن القدس، الى تنظيم اعمال احتجاج في الشوارع. ومع تعثر عملية السلام وتزايد اعمال التطهير العرقي في القدس، تدعمها مجموعة من الاجراءات المتشددة وغير المعقولة، لم يعد الحسيني يعتبر الديبلوماسية وحدها قادرة على وضع حد لعمليات الاستيطان وانهائها بحزم. وهو مقتنع، مثل معظم الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، ان الاسرائيليين شرعوا بتنفيذ سلسلة خطوات لانتزاع الاراضي تحسباً لاي احتمال للتفاوض في شأن الوضع النهائي للقدس وحسمه. وتدعي "عطيريت كوهينيم" انها نقلت على مدى سنوات اكثر من 65 عائلة يهودية الى حوالي 50 مبنى تقع في انحاء المدينة القديمة. وهي تقول انها تملك مبانٍ اخرى كثيرة لم تتمكن بعد من الاستفادة منها بسبب الدعاية السيئة التي تتلقاها بانتظام والعداوة التي تولّدها. كما تدعي انها تحتفظ في سجلاتها باسماء الكثير من الازواج الشباب الذين يتوقون للحصول على سكن في المدينة القديمة. وتسعى الجماعة بثبات للحصول على إذن للبناء على الممتلكات العائدة لها. وتملك "عطيريت كوهينيم" بفضل قاعدة انصارها في اسرائىل والولاياتالمتحدة القدرة على تسليط ضغوط سياسية مؤثرة. وعندما يتوافق هذا الضغط مع الكثير من نمط تفكير الحكومة الحالية في اسرائيل فان المخاطر تتجلى بشكل صارخ. بالاضافة الى ذلك، يوجد تحت تصرف الجماعة صندوق حرب ضخم، يمده موسكوفيتش بالمزيد من الاموال بشكل منتظم. لا شك ان موسكوفيتز فخور بالطريقة التي ينفق بها ثروته الطائلة. لكنه، من منظور تاريخي، ربما يشتري وقوداً لنار حروب مقبلة. * سياسي بريطاني، نائب سابق من المحافظين