تتوقع العواصم المغاربية تحسيناً شاملاً لعلاقاتها مع ايطاليا بعد وصول ائتلاف اليسار بزعامة زعيم حزب اليسار الديموقراطي الشيوعي سابقا ماسيمو داليما الى الحكم. وكانت العلاقات المغاربية - الايطالية عرفت احتقاناً شديداً الصيف الماضي في ظل حكومة رومانو برودي بسبب تكاثف الهجرة غير المشروعة من الضفة الجنوبية للمتوسط الى السواحل الايطالية خصوصاً جزيرتي بانتيليربا ولامبيدوزا الواقعتين في منتصف الطريق بين تونس وجزيرة صقلية الايطالية. وأفادت مصادر مطلعة ان مواقف اليسار الايطالي الذي حض الحكومات السابقة على التعاطي المرن مع ظاهرة الهجرة غير المشروعة وايجاد حلول لمشكل المهاجرين المغاربيين الذين لا يحملون وثائق اقامة، جعلت العواصم المغاربية تستقبل الحكومة الجديدة بكثير من الارتياح وتأمل بالوصول معها الى تسوية للملفات العالقة منذ الحكومات السابقة والتي ألقت ظلالاً سلبية على العلاقات الايطالية المغاربية. وفي معلومات المصادر ان داليما اعطى توجيهات لمعاونيه في الحكومة والوزارات المعنية بالشؤون المتوسطية والمغاربية لوضع تقويم شامل للعلاقات مع البلدان المغاربية واعداد رؤية جديدة تؤدي الى تنشيط التعاون وتقفل نافذة الازمات والاحتكاكات. ويلعب مسؤول الملف المتوسطي في الخارجية السفير روكو كانجيليوزي الذي اهتم بالشؤون المغاربية فترة طويلة دوراً مهماً في اعداد التقويم وبلورة الرؤية المستقبلية التي ستنبثق منه. وكانت الأيام الاخيرة شهدت حوادث اثبتت استمرار "المتاعب" الناتجة عن خرق سفن صيد ايطالية المياه المغاربية او ضبط سفن تنقل مهاجرين غير شرعيين الى سواحل ايطاليا. وفي هذا الاطار احتجزت البحرية العسكرية وحراس سواحل تونسيون اخيراً سفينة صيد ايطالية بعدما ضبطوا افراد طاقمها يصطادون في منطقة محظورة داخل المياه التونسية. وتمت تسوية المشكلة بعدما دفع ربان السفينة اندريا اندجرجولا غرامة قيمتها ستون الف دينار نحو 55 الف دولار. كذلك انقذت خافرات السواحل التونسية اواسط الشهر الماضي 54 مهاجراً من الغرق لدى محاولتهم الوصول الى سواحل جزيرة صقلية في صورة غير مشروعة على متن سفينتين صغيرتين جنحتا في البحر. ويرجح ان حكومة داليما تعتزم لجم محاولات السفن الايطالية خرق المياه الاقليمية للبلدان المغاربية، خصوصاً تونس، تفادياً لتوتير العلاقات معها وكذلك التركيز على وضع صيغ متطورة لتكثيف الاستثمارات والقروض والمساعدات للمنطقة المغاربية بوصفها حلاً جذرياً لمكافحة الهجرة بواسطة ايجاد فرص عمل للعاطلين في مواطنهم الاصلية. وفي السياق نفسه تعتزم حكومة داليما تنشيط اطر التعاون ولجان التفكير والعمل المشتركة لبلورة رؤية جديدة تشترك في وضعها البلدان المغاربية، وترمي الى تفكيك مصادر الاحتقان وإيجاد حلول طويلة الأمد للملفات العالقة تكون نموذجاً لبلدان الاتحاد الاوروبي الاخرى كون الايطاليين من اشد بلدان الاتحاد حساسية وتأثراً بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة المغاربية. ويعتقد مراقبون ايطاليون ان حكومة برودي السابقة "قامت بأعمال جيدة" على صعيد تصحيح اوضاع اعداد كبيرة من المهاجرين المغاربيين في ايطاليا وصرف اعتمادات معتبرة لتشجيع المشاريع التنموية التي تؤمن فرص عمل كثيرة في بلدان الشمال الافريقي، الا ان حكومة داليما تخطط لاعطاء وجهة جديدة لهذه السياسة وتحسين اوضاع الجاليات المغاربية في ضوء الاتجاهات المقررة في برامجها الانتخابية والتي تبرر اختلافها عن برامج احزاب اليمين خصوصاً "الى الأمام ايطاليا" فورزا ايطاليا بزعامة سليفيو بارلوسكوني و"رابطة الشمال" بزعامة اومبارتو روسي الذي قاد اخيراً حملات اعلامية للمطالبة بطرد المهاجرين من افريقيا الشمالية. وكان الحزبان تصديا للخطة التي وضعتها حكومة برودي لتسوية اوضاع 300 الف مهاجر كانوا يعيشون في اوضاع غير قانونية في ايطاليا، الا ان برودي نجح في وضع خطته موضع التنفيذ والارجح ان داليما سيتابع تنفيذها بالاضافة لتطوير بعض صيغها لتشمل اكبر عدد ممكن من المغاربيين المقيمين في صورة غير شرعية. الا ان مصدراً ديبلوماسياً ايطالياً اكد ان المرونة لا تعني التسيب ولا ينبغي ان تفهم على انها تساهل مع الذين يسيئون للوضع الاجتماعي الايطالي ويساهمون في انتشار الجرائم والمخدرات. وشدد على ان الحكومة الجديدة ستتوخى الصرامة في معالجة الظواهر الاجتماعية السلبية كون هذا الخيار يشكل احدى الركائز في برنامجها والذي يميزها عن الحكومات السابقة.