تمر بورصة بيروت في حالة تراجع مستمرة منذ منتصف كانون الثاني يناير الماضي. اذ سجل مؤشر بلوم أدنى مستوياته في أوائل أيلول سبتمبر متراجعاً من 1115.45 مطلع السنة الى أعلى بقليل من 905.21 نقطة الاسبوع الماضي. لبنان ليس من الدول المتأثرة باعصارات آسيا وروسيا وأميركا اللاتينية. كما أن صناديق التحوط الغربية العملاقة لم تكتشف بعد درب هذه السوق الصغيرة الخارجة من شرنقة الحرب. ولم يبدل خفض أسعار الفائدة على الليرة الذي بشّر به حاكم مصرف لبنان أخيراً أمزجة المستثمرين في الداخل أو الخارج. فالتأثيرات المحلية والاقليمية السياسية والأمنية لا تزال أهم من جميع الاعتبارات النقدية في القرار الاستثماري اللبناني. كما أن نتائج الشركات اللبنانية العالية، لا سيما القطاع المصرفي الأكثر ازدهارا، لا تنعكس بالضرورة ايجابا على أسعار أسهمها، بغض النظر عن نسبة العائد على السهم. في ظل هذه الظروف القاتمة، تستقبل بورصة بيروت صندوق "ليبانون هولدينغز" الذي يأتي في الترتيب الحادي عشر في قائمة أسهم الشركات اللبنانية. أطلق هذا الصندوق في آب أغسطس 1997 بعد أسابيع من تفجر بركان الأزمة الآسيوية، برأس مال قدره 50 مليون دولار تستهدف الاستثمار في أسهم الشركات اللبنانية المتوسطة والكبيرة. والصندوق المدرج في بورصة لوكسمبورغ يتلقى مديروه استشارات من شركة "ليبانون انفست أسيت منجمنت"، وهي متفرعة عن شركة "ليبانون انفست القابضة" التي تأسست عام 1994 برأس مال مدفوع قدره 40 مليون دولار. وتدير الصندوق شركة "بلايكني منجمنت" البريطانية، وهي شركة استثمارية تأسست عام 1990 وتختص بالاستثمار في أسهم الشركات الخاصة والشركات المدرجة في بورصات الشرق الأوسط وأفريقيا غير المتأثرة بسمعة الأسواق الصاعدة التي تفجّر نموها الصاروخي في الأشهر الماضية. سوروس و"بلايكني منجمنت" وبهذا المعنى، لم تهتم "بلايكني منجمنت" بجميع البورصات الأفريقية والشرق أوسطية التي تأثرت مباشرة بالاعصارات الدولية، أي أنها لم تستثمر في البورصة التركية أو البورصة الاسرائيلية أو في بورصة جوهانسبورغ. ولفتت هذه الشركة أخيرا انتباه مستثمر دولي لطالما اعتبر عرابا للمستثمرين حول العالم، هو جورج سوروس الذي فقد بعد الأزمة الآسيوية لمساته السحرية في الأسواق، ومني بهزائم مكلفة في شرق آسيا اضطر بعدها الى تغيير العديد من مديريه في صندوق "كوانتم فند" الذي يديره. وقدرت خسائر صندوقه الذي يضم ما يزيد على 30 بليون دولار في روسيا وحدها بنحو بليوني دولار. كلّف سوروس، أو المديرون الجدد لديه، شركة "بلايكني منجمنت" قبل أشهر درس فرص الاستثمار في أفريقيا، السوق التي لم تتأثر كثيرا بموضة الأسواق الصاعدة الناشئة. وبدأت أول عملية شراء قبل أسابيع حين اشترت "بلايكني منجمنت" عشرة في المئة من أسهم شركة "لونرو أفريقيا" البريطانية - الأفريقية العملاقة نيابة عنه، والتي قد تمتد لتشمل شراء حصة أكبر بعد انتهاء المفاوضات بين الطرفين حول شكلها النهائي. وربما لا تبدو منطقتا الشرق الأوسط وأفريقيا جذابتين لجهة النمو الاقتصادي، لكنهما تبدوان حتما أقل تأثرا حاليا من مناطق كثيرة في العالم. و"بلايكني منجمنت" تستثمر 300 مليون دولار في المنطقتين في شركات ومشاريع تنتج، حسب مديريها، مواد لا ينتهي تاريخ صلاحيتها مع تقلبات الأسواق" كالشاي والكاكاو والقهوة. ويرى مديرو "بلايكني" أن الأزمات في العالم قد تزيد من احتساء أكوابها بدلا من أن تقل. استثمارات لبنان على أن استثمارات "ليبانون هولدينغز" في لبنان لا علاقة لها ببساتين الحمضيات، ولا بمشاريع سوليدير العملاقة. ومن مكتبه في حي تشلسي وسط لندن شرح خالد عبدالمجيد، المحلل الاستثماري في "بلايكني منجمنت"، استراتيجية الشركة في لبنان وبقية دول المنطقة، وقال ان "الهدف من صندوق "ليبانون هولدينغز" لا يختلف عن أي هدف استثماري آخر، وهو تحقيق نمو رأس مالي، وتفادي المخاطر الى أقصى حد ممكن. لذلك تحاشينا في استثماراتنا اللبنانية كما فعلنا في أفريقيا ركوب مخاطر كبيرة. نحن لم نستثمر مثلا في شركات التنقيب عن المعادن أو شركات النفط التي هبطت قيمة اسهمها كثيرا. بل ركزنا على شركات لا غنى عن خدماتها في شتى الظروف. وفي لبنان جاء تركيزنا على القطاع المصرفي، أهم القطاعات الاقتصادية الناجحة". وترتكز استراتيجية "بلايكني منجمنت"اللبنانية على شراء أسهم بمبالغ تراوح بين مليون وخمسة ملايين دولار في كل شركة. ولا تتجاوز نسبة حصة صندوق "ليبانون هولدينغز" في أي شركة على 20 في المئة من قيمة موجوداتها الصافية ساعة الاستثمار. ويرى عبدالمجيد أن الاستثمار في لبنان استراتيجي، يبدأ بسبع سنوات هي مدة الاستثمار في "ليبنانون هولدينغز"، قابلة للتجديد بعد أن يعقد المستثمرون في الصندوق جمعية عمومية سنة 2002. ولبنان الخارج من الحرب يحتاج الى رساميل كثيرة تجعل الطلب على رأس المال عاليا. لذا استثمر صندوق "ليبنانون هولدينغز" 19 مليون دولار في أسهم المصارف اللبنانية من أصل 25 مليوناً اجمالي الاستثمارات الحالية. ولا شك في أن التركيز على قطاع المصارف جاء ملبياً لرغبة مديري الصندوق في تحقيق أرباح سريعة. وقال عبدالمجيد: "ترتفع ارباح المصارف اللبنانية بنسبة 30 الى 40 في المئة كل سنة، وهو معدل يصعب الحصول عليه في قطاعات أخرى". أسهم وليس سندات غير أن استثمارات المصارف اللبنانية تتركز بالدرجة الأولى على سندات الخزينة اللبنانية ذات الفائدة المرتفعة. وسألنا عبدالمجيد عن السبب الذي لا يجعل "ليبانون هولدينغز" تستثمر مباشرة في سندات الخزينة اللبنانية العالية المردود، فقال: "نحن نستثمر في سوق الأسهم وليس في سوق السندات. واذا كانت سندات الخزينة تعطي نسبة 15 في المئة حاليا، فنحن نتوقع أن تنمو قيمة الاسهم بمعدل يفوق هذه النسبة خلال مدة الاستثمار الأولى البالغة سبع سنوات". ولاحظ المدير في "بلايكني منجمنت" أن المصارف اللبنانية آخذة في التطور، فهي تزيد عدد فروعها باستمرار، وتنوع الخدمات التي تقدمها لزبائنها. لكن المصارف اللبنانية لا تتمتع بسيولة مالية طويلة الأجل تساعدها على تمويل مشاريع عقارية بقروض تمتد 20 سنة أو أكثر. وعزا السبب الى أن معظم الودائع قصيرة الأجل. ولا يسع المصارف أن تقرضها لفترة طويلة مع تلبية شروط الملاءة المالية الأساسية. مع ذلك يعتقد أن هناك بعض التقدم في هذا المجال. اذ اتجهت المصارف في الفترة الأخيرة الى الاقتراض من الخارج عن طريق اصدار سندات لمدة خمس سنوات أو أكثر. كما تساهم مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي في التمويل. توزيع الاستثمارات بعد مرور سنة على اطلاق الصندوق تم استثمار نصف رأس مال "ليبانون هولدينغز" في محفظة تضم أربعة قطاعات لبنانية رئيسية هي: المصارف، والشركات الصناعية، والخدمات السياحية، والتأمين. وخصصت نسبة 66 في المئة من الاستثمارات في القطاع المصرفي، يليه القطاع الصناعي بنسبة 21 في المئة، وقطاع التأمين بنسبة اثنين في المئة. توزعت الاستثمارات في القطاع المصرفي على بنك "بيبلوس" 3.6 مليون دولار، بنك لبنان والمهجر 4.3 مليون دولار، "فرانسابنك" 2.9 مليون دولار، "البنك اللبناني للتجارة" 3.3 مليون دولار. وفي القطاع الصناعي اقتصر الاستثمار على شركة "اترنيت" 4.3 مليون دولار. واستثمر الصندوق في القطاع السياحي مبلغ 2.2 مليون دولار في شركة الفنادق اللبنانية الكبرى. أما في قطاع التأمين فاستثمر مبلغاً يقل عن نصف مليون دولار في شركة "ميدغلف سترايكرز". ويلاحظ من استثمارات الصندوق عزوفه عن أسهم الشركة اللبنانية العقارية الأكبر في لبنان، بل في المنطقة، وهي "سوليدير" التي تتولى اعادة اعمار الوسط التجاري. وهو أمر يثير التساؤل. وقال عبدالمجيد في هذا الشأن: "درسنا سعر سهم "سوليدير" في البداية فوجدناه عاليا لكنه بات منخفضا حاليا. غير أن حركة البناء في لبنان هدأت في العام الأخير بعد طفرة سريعة حدثت عقب توقف الحرب. وفي رأينا تحتاج أسهم "سوليدير" الى سنة او اثنتين لكي تنضج". الخروج من المغرب بعيدا عن لبنان خرجت استثمارات "بلايكني منجمنت" من المغرب قبل ستة أشهر في عملية جني مكاسب قبل أن تهبط الاسعار. وفسر عبدالمجيد أسباب الخروج بالقول: "حققنا في المغرب أرباحاً عالية بلغت 30 في المئة سنويا. الا أننا رأينا أن أسعار الأسهم ارتفعت الى مستويات عالية بلغت معه قيمة السهم معدل 18 ضعف العائد على السعر. ونحن نحرص على الاحتفاظ بالأسهم التي لا تتعدى النسبة فيها عشرة أضعاف العائد". المؤكد أن الأسهم في لبنان، كما في العديد من بورصات الشرق الأوسط المتأثرة عامة بمناخ الركود بعد انحسار حجم العائدات النفطية، ليست مصابة حاليا بتخمة في قيمتها. بل انها خسرت الكثير من المستويات القياسية التي بلغتها قبل عام أو أكثر. وهذا يعني أن استثمارات "ليبانون هولدينغز" باقية في لبنان الى فترة غير قصيرة. واحتفاظ ادارة الصندوق بنصف رأس ماله نقدا يدل على أنها تنتظر هبوط الأسعار لتقتنص فرصاً أفضل. والجدير ذكره أن متوسط سعر سهم "ليبانون هولدينغز" يبلغ 7.35 دولار، فيما تبلغ القيمة الصافية لموجودات السهم حسب بيانات بورصة لوكسمبورغ الأخيرة 9.44 دولار، ويبلغ عدد الأسهم المتداولة خمسة ملايين سهم.