بينما تعاني الفنون في الصين من تراجع جمهورها ونقص التمويل، فنٌ واحد يعيش انبعاثاً ممزوجاً بحماسة وطنية. هكذا يُلاحظ ان بطاقات الدخول لحضور سهرات الباليه سريعاً ما تنفد، فيما يحتشد الجمهور في القاعة على نحو لم يعد مألوفاً كثيراً في الصين. وهذا لا يصح في بكين العاصمة وحدها بل في جميع المدن التي تزورها حالياً فرقة "الباليه الوطنية". وقد كتب غير مراقب عن خصوصية الباليه في الامبراطورية الصفراء، متحدثين عن قران غريب بين الحياة الريفية، بما فيها تجارب الثورة الثقافية خصوصاً، وبين هذا الفن الغربي. فالباليه في الصين نافذة على الغرب، الا أنها توفر الاثارة البصرية للاوبرا الصينية المعاصرة التي تكثر فيها الحركات الاكروباتيكية التقليدية من دون طقوسها العريقة. وللباليه هناك تاريخها الذي يمتد على 45 عاماً، حيث تأسست في 1945 "أكاديميا الرقص في بكين"، ثم كانت "الباليه الوطنية" في 1959 والتي حظيت برعاية رئيس الحكومة يومذاك شوان لاي الذي كان يعرف افرادها فرداً فرداً. والحال انه في الخمسينات، حين كانت العلاقات لا تزال مزدهرة مع موسكو، اهتم الروس بتدريب الصينيين، كما حضر الى بكين بعض كبار الراقصين كبيوتر غوسيف. أما خلال الثورة الثقافية فكانت النكسة اذ أُبعد بعض الراقصين للعمل في الأرياف و"التعلم من الفلاحين"، كما سيق بعضهم الى معسكرات العمل. واضطر راقصون آخرون الى تغيير أسمائهم واتخاذ أسماء لهم أشد تلاؤماً مع الوعي الايديولوجي السائد بالقوة. لكن عاملين حالا دون تصفية الفرقة كلياً: رعاية جيانغ كنغ أرملة ماو لها، هي التي أبلت بلاء حسناً في اضطهاد الفنانين والحفاظ على مؤسساتهم بعد تغيير وظائفها! ونجاحها في سرد قصص استطاعت مخاطبة قلوب مشاهديها والتلاعب على ذاكراتهم الجمعية.