للمرة الثانية في أقل من اسبوع شهد مجلس النواب التونسي جلسة ساخنة بين المعارضة والحكومة لدى مناقشة تعديلات أدخلت على قانون جوازات السفر. ودخل الشاعر جرير طرفاً في الجدل بين وزير الداخلية علي الشاوش ونائب حركة الديموقراطيين الاشتراكيين أحمد خصخوصي اللذين استكملا "مناظرة" كانا بدآها الاسبوع الماضي لدى مناقشة تعديلات ادخلت على قانون الانتخابات في أول جلسة عقدها "مجلس النواب" في الدورة البرلمانية الحالية، وهي السنة الأخيرة في ولاية المجلس قبل الانتخابات العامة المقررة في خريف العام المقبل. وعاد خصوخصي في مداخلته عن قانون الجوازات أول من أمس الى الجدل الذي ثار بينه وبين وزير الداخلية الاسبوع الماضي في شأن القانون الانتخابي والذي وصف خلاله الوزير كلام النائب المعارض بكونه "محض افتراء". فاستنجد خصخوصي بكتب الأدب التي يدرّسها في الجامعة ليوضح أن "الافتراء من الكذب طبقاً لجميع المعاجم قديماً وحديثاً". وأشار الى انه يعرف معاني الهجاء والتجريح في دقة كونه ألّف أحد الكتب الأربعة المعروفة عن جرير أشهر الهجائين في الأدب العربي ودرّس الهجاء للطلاب في الجامعة. ورأى ان "التعبير عن رأي مخالف لا ينبغي أن ينظر له على أنه خروج عن الصف". وأتى كلام النائب تعليقاً على رد الوزير الاسبوع الماضي على مداخلته. وشدد خصخوصي على ضرورة "اعتماد التسجيل الآلي للناخبين في اللوائح والتزام سرية الاقتراع وإجبارية التصويت داخل الخلوة". ورأى انه "من دون توافر هذه الضمانات ستبقى الحياة السياسية غير سليمة ولا مستقيمة ... وسيظل المواطن في حال عدم اطمئنان على حقوقه". ووصف الوزير الشاوش كلام النائب بكونه "ادعاء باطلاً وافتراء ومجرد تعبير عن رؤية سياسية". إلا أنه هدّأ الأجواء في جلسة أول من أمس وأنهى الجدل مع المعارضة بتأكيده انه رد على ما اعتبره "ادعاءات لا أساس لها" في اشارة الى النائب خصخوصي. ورأى أن منح القضاء صلاحية سحب وثائق السفر "نقلة نوعية لتعزيز الحريات". وعارض تعديل قانون الجوازات أول من أمس نائب واحد وتحفظ عنه ستة، إلا أن الأكثرية الساحقة صدقت عليه. ويسيطر "التجمع الدستوري الديموقراطي" الحاكم على 144 مقعداً من مقاعد المجلس البالغ عددها 163 مقعداً. لكن نواب المعارضة التسعة عشر انقسموا على القانون الذي فوض للقضاء صلاحيات سحب الجوازات من حامليها بعدما كان الأمر من اختصاص وزارة الداخلية. وأشاد الأمين العام لحركة التجديد الحزب الشيوعي سابقاً محمد حرمل بالقانون الجديد. واعتبر ان "جعل سحب الجواز من مشمولات القضاء خطوة ايجابية تندرج في اطار توسيع مجال الحريات ومن ضمنها حرية التنقل"، فيما انتقد النائب المستقل عبدالله الشابي البند الخامس عشر من القانون الذي "يجيز للسلطات سحب الجواز لمجرد أن سفر حامله من شأنه الاضرار بالأمن العام". ورأى أن العبارة مطاطة وغامضة وحمالة أوجه عدة. وحض على حصر منع السفر في حالات واضحة هي الاتجار في المخدرات والقضايا المتصلة بالارهاب وشبكات البغاء والدعارة واستبعاد أي منع لنشطاء الأحزاب السياسية والعمل النقابي والدفاع عن حقوق الانسان من السفر بسبب عملهم العام. واعتبر النائب الطيب المحسني ان "منح صلاحية سحب الجوازات للقضاء من دون اعطاء المواطن الحق في المثول أمام القاضي للدفاع عن نفسه يجعل الأخير مجرد الية أوتوماتيكية لقرار الحجز والمنع من السفر". ورأى النائب سالم رجب ان التعديل الذي يجيز لمحكمة الدرجة الأولى "سحب الجواز أو منع مواطن من السفر بطلب من وزارة الداخلية حتى ان لم يكن ملاحقاً قضائياً يشكل نيلاً من حرية التنقل ويتنافى مع بنود الدستور". وأشار الى أن القاضي الذي يُطلب منه سحب جواز مواطن لا يستطيع رفض الطلب لأنه "لا فرصة لديه للتثبت من وجاهة المبررات طالما أنه لا يستطيع رؤية المعني بالأمر ما يجعله مضطراً للتنفيذ". وحض المحامي نصر بن عامر نائب حزب الوحدة الشعبية على "تعريف الحالات التي يعتبر فيها المشتبه به مهدداً للأمن العام"، وأيده نائب حركة الديموقراطيين الاشتراكيين عمار الشكماني الذي طلب وضع مضمون واضح لعبارة "الأمن العام" بدل "المصطلح الغامض والمبهم الموجود في القانون". وانتقد النائب خصخوصي مشروع التعديل ورأى انه يقيد الحرية الفردية ويحرم المواطن من حق التقاضي والاعتراض في حال سحب جوازه أو مُنِعَ من السفر. إلا أن الوزير الشاوش أكد في رده على النواب ان التعديل "عمل تاريخي واصلاح جوهري في مسار بناء الدولة الديموقراطية على عكس ما ذهب اليه بعض النواب الذين قللوا من أهمية المشروع". وشدد على أن الطعن في قرارات القاضي إذا ما منع مواطناً من السفر ممكنة بواسطة اجراءات حددها القانون ونفى أي تعارض بين التعديل وأحكام الدستور واستدل بموافقة المجلس الدستوري عليه قبل عرضه على مجلس النواب.