بفارغ الصبر ينتظر عشاق رياضة سيارات فورمولا واحد يوم الأحد المقبل، موعد آخر سباق من بطولة العالم 1998 سباق جائزة اليابان الكبرى على حلبة سوزوكا، حيث ستحدد نتيجته هوية الفائز باللقب العالمي لهذا الموسم. والصراع ثنائي بين الفنلندي ميكا هاكينن، سائق ماكلارن مرسيدس متصدر ترتيب بطولة العالم برصيد 90 نقطة، والالماني ميكايل شوماخر سائق فريق مارلبورو فيراري الذي يتخلف عنه بفارق اربع نقاط فقط. كيف جمعا نقاطهما؟ أقيم 15 سباقاً في الموسم الحالي وحصل هاكينن وشوماخر على التوالي على 10 نقاط وصفر في استراليا، و10 و4 في البرازيل، و6 و10 في الارجنتين، وصفر 6 في سان مارينو، و10 و4 في موناكو، وصفر و10 في كندا، و4 و10 في فرنسا، و6 و10 في بريطانيا، و10 و4 في النمسا، و10 و2 في المانيا، و1 و10 في المجر، وصفر وصفر في بلجيكا، و3 و10 في ايطاليا، و10 و6 في لوكسمبورغ، علماً بأن الفائز الأول في كل سباق يحصل على 10 نقاط، مقابل 6 للثاني و4 للثالث و3 للرابع و2 للخامس ونقطة واحدة للسادس. هذا يعني أن هاكينن فاز بالمركز الأول في 7 سباقات مقابل 6 لشوماخر. الإحتمالات سيفوز هاكينن باللقب العالمي: إذا لم يكن شوماخر أولاً أو ثانياً في السباق. إذا تقدم على شوماخر في الترتيب النهائي للسباق. إذا حل ثانياً خلف شوماخر في حال تساوى السائقان في عدد مرات الفوز بالمركز الأول فان عدد مرات الفرز بالمركز الثاني ترجح كفة هاكينن. إذا حل خامساً وحل شوماخر ثانياً. وسيفوز شوماخر باللقب العالمي: إذا فاز بالمركز الأول في السباق ولم يفز هاكينن بالمركز الثاني. إذا فاز بالمركز الثاني ولم يحصل هاكينن على أفضل من المركز السادس. موسم طويل وعودنا هذا الموسم على عدم اتباع الترشيحات بسبب التقلبات الكثيرة التي عرفها. فبعد القسم الأول من الموسم ظنّ كثيرون ان ماكلارن ستحرز لقبي السائقين والصانعين من دون معاناة خصوصاً انه بعد سباق موناكو بلغ الفارق بين هاكينن وشوماخر 22 نقطة في ترتيب بطولة السائقين وبين ماكلارن وفيراري 36 في ترتيب بطولة الصانعين. لكن شوماخر وفريق مارلبورو فيراري حققا الاستفاقة المنتظر منهما وتمكن السائق الألماني من احراز ثلاثة انتصارات متتالية تزامنت مع تراجع ملحوظ في مستوى ماكلارن، فعاد شوماخر وفيراري الى المعادلة بقوة، فضرب عشاق فورمولا واحد موعداً مع الاثارة والتشويق في القسم الأخير من الموسم. واستعادت ماكلارن توازنها بعض الشيء وارتفع الفارق من جديد لكن فيراري "النشيطة" ادخلت التعديل بعد الآخر على السيارة فباتت على مستوى ماكلارن وتمكن شوماخر من احراز الفوز في مونزا ليرفع رصيده الى 80 نقطة مثله مثل هاكينن قبل سباقين من النهاية. أحرز هاكينن سباق لوكسمبورغ ليتقدم بفارق اربع نقاط قبل سباق الحسم في اليابان. ودخول فريق مارلبورو فيراري وشوماخر السباق الاخير وهما لا يزالان في المعادلة انجاز بحدّ ذاته ذلك ان تفوق ماكلارن قبل بداية الموسم وفي القسم الأول منه كان واضحاً لدرجة ان النقاد لم يعطوا اي فريق آخر فرصة. وكان لفيراري رأي آخر وهي الساعية الى اول لقب لها في فئة السائقين منذ العام 79 والأول لها في فئة الصانعين منذ العام 83. البداية قبل بداية الموسم حقق سائقا ماكلارن، هاكينن والاسكتلندي ديفيد كولتهارد اوقاتاً خيالية مقارنة بأوقات المنافسين الآخرين لا سيما شوماخر والكندي جاك فيلنوف سائق وليامس ميكاكروم بطل العالم الموسم الماضي. ونجح فريق ماكلارن، احد ابرز الفرق في فورمولا واحد، من نقل تفوقه في التجارب الى السباقات مع بداية الموسم في استراليا،اذ سيطر سائقاه على التجارب واحتلا المركزين الأول والثاني في السباق متفوقين على صاحب المركز الثالث بفارق لفة واحدة! وجمع هاكينن اول 10 نقاط له في البطولة في حين لم يسجل نجم فريق مارلبورو فيراري اي نقطة لانسحابه بسبب اعطال ميكانيكية. وكثر الكلام قبل السباق البرازيلي عن نظام المكابح الذي تستخدمه ماكلارن فاعتبره منظمو السباق البرازيلي مخالفاً للقوانين رغم ان الاتحاد الدولي اعطى الضوء الاخضر لماكلارن في تطويره. وكم كانت خيبة "المحتجين" على النظام كبيرة لأن ماكلارن من دون المكابح "السحرية" احتلت ايضاً المركزين الأول والثاني اذ عبر هاكينن خط الوصول امام كولتهارد مرة ثانية في حين جاء شوماخر ثالثاً بفارق اكثر من دقيقة فحصد اول ثلاث نقاط له في البطولة وتخلف عن هاكينن فارق 16 نقطة بعد سباقين فقط. وقبل سباق الارجنتين، الثالث في البطولة، اطلق هاكينن تصريحات نارية ندم عليها بعد نهاية السباق عندما قال انه سيكون من الصعب التفوق على ماكلارن. ولم يعجب هذا الكلام شوماخر الذي كان له رأي آخر اذ حقق الفوز في الارجنتين بعدما تخطى هاكينن ثم كولتهارد في اللفات الست الأولى ليحصد 10 نقاط رفعت رصيذده الى 14 نقطة مقابل 26 لهاكينن. وعندما تخطى شوماخر كولتهارد ليتصدر السباق حصل اصطدام بين السيارتين واتهم الاسكتلندي خصمه باقصائه من السباق لكن الامر انتهى بعد حوار بين السائقين "هندسة" مدير القسم الرياضي في مرسيدس نوربرت هوغ الذي يعرف شوماخر تماماً بعدما عمل معه في بداية مسيرته الرياضية. وانتقلت البطولة الى اوروبا ونظمت الجولة الرابعة في ايمولا فكان الفوز من نصيب كولتهارد الذي خاض سباقاً رائعاً من دون اي تهديد من سائقي فريق مارلبورو فيراري شوماخر الذي حلّ ثانياً والايرلندي الشمالي ايدي ايرفاين صاحب المركز الثالث. اما هاكينن فلم يكمل السباق واضطر الى الانسحاب فاقتربت الارقام في ترتيب بطولة السائقين اذ وقف رصيد الفنلندي عند 26 نقطة مقابل 23 لكولتهارد و20 لشوماخر. وأثبتت نتائج السباقات الأولى ان فريق وليامس القوة الضاربة في فورمولا واحد في التسعينات بحاجة الى وقت طويل لتقليص الفارق بينها وبين كل من ماكلارن وفيراري. وعاد هاكينن الى "عادته" واحتل المركز الأول في سباق برشلونة المرحلة الخامسة من بطولة العالم من دون اي تهديد يذكر امام زميله كولتهارد وشوماخر علماً ان السائقين الثلاثة حافظوا في نهاية السباق على المراكز التي احتلوها في التجارب الرسمية. وارتفع رصيد هاكينن الى 36 نقطة مقابل 29 لكولتهارد و24 لشوماخر. وفي بطولة الصانعين، احتلت ماكلارن المركز الأول برصيد 65 نقطة مقابل 35 لفيراري. وتوقع كثيرون ان يتمكن شوماخر من تقليص الفارق في سباق موناكو الذي ينظم على طرقات ضيقة وهو الذي سبق له الفوز في هذا السباق الصعب اكثر من مرة. لكن هاكينن كان له رأي آخر فجعل المركز الأول ملكه امام الايطالي فيزيكيللا سائق بينيتون وايرفاين. وانسحب كولتهارد في حين جاء شوماخر في المركز العاشر بعدما اصطدمت سيارته بسيارة النمسوي فورتز عندما تبادل السائقان المركز الثالث اكثر من مرّة. وبعد سباق الامارة ،بات الفارق بين هاكينن الأول وكولتهارد الثاني 17 نقطة 46 نقطة مقابل 29 والأهم من ذلك ان 22 نقطة باتت تفصل بين الفنلندي وسائق فيراري الأول شوماخر 24. وارتفع الفارق بين ماكلارن وفريق مارلبورو فيراري في ترتيب الصانعين الى 36 نقطة في بطولة الصانعين 75 مقابل 39. وكثر الكلام عن ان هاكينن وماكلارن حسما بطولتي السائقين والصانعين خصوصاً ان شوماخر بعد كل سباق وعد بتحسن وتعديلات على سيارته من دون نتائج تذكر. لكن كل من ظنّ ان البطولة انتهت وحسمت اخطأ لأن شوماخر وفيراري قاما بجهود جبارة لتقليص فارق القوة عن سيارتي "السهم الفضي". تعديلات مثمرة وبدأ شوماخر في قطف ثمار التعديلات التي ادخلت على السيارة تباعاً منذ بداية الموسم اذ كانت له الكلمة الاخيرة في السباق الكندي المرحلة السابعة. وزاد من اهمية الفوز انسحاب هاكينن الذي لم يسجل اي نقطة فتقلص الفارق الى 12 نقطة بينهما. كما ان ماكلارن لم تسجل اي نقطة لانسحاب كولتهارد ايضاً في حين جمعت فيراري 14 نقطة لأن ايرفاين جاء ثالثاً. ومرة جديدة اجتاز شوماخر خط الوصول في المركز الاول في سباق فرنسا على حلبة مانيي كورتلاه زميله في فيراري ايرفاين وهي اول مرة تحقق فيها فيراري ثنائية منذ العام 90. وجاء هاكينن في المركز الثالث واضاف اربع نقاط فقط الى رصيد فبات 50 نقطة مقابل 44 لشوماخر، فكانت الرسالة واضحة، ومفادها ان شوماخر وفيراري قبلا تحدي ماكلارن ومستعدان تماماً لممارسة الضغط على الخصم لجره الى مواجهة مثيرة. ونظم السباق البريطاني على حلبة سيلفرستون وكان فيه هاكينن مرتاحاً حتى بدأ المطر بالهطول ما اعطى الافضلية لشوماخر الذي يجيد القيادة في الاحوال الجوية السيئة. وتقلص الفارق الكبير بين هاكينن متصدر السباق وشوماخر مع دخول سيارة السلامة، واستفاد الالماني من خطأ في القيادة لخصمه لينتزع المركز الاول ويحافظ عليه حتى خط الوصول فحقق فوزه الثالث على التوالي. وجاء هاكينن في المركز الثاني ليتقلص الفارق الى نقطتين فقط في بطولة السائقين. ولم يعرف الجمهور في المدرجات وعبر شاشات التلفزيون هوية الفائز على الفور لان شوماخر اجتاز خط الوصول في المرآب في حين كان هاكينن اول العابرين على الحلبة! والسبب في ذلك هو ان شوماخر دخل لينفذ عقوبة الوقت 10 ثوان لسبب ما لكنه اعتبر فائزاً لعدم صلاحية العقوبة ووضوحها. وقدم فريق ماكلارن احتجاجاً على النتيجة رفضه الاتحاد الدولي في وقت لاحق وثبت فوز شوماخر بالسباق. وباتت ماكلارن مطالبة بردّة فعل قبل قوات الاوان والانتقال المبادرة الى فيراري وشوماخر، لا سيما من هاكينن الذي تبخر الفارق بينه وبين شوماخر في الترتيب العام لبطولة السائقين. ردة الفعل وكان جواب ماكلارن واضحاً في سباق النمسا اذ عاد هاكينن الى اعلى درجات المنصة وجاء كولتهارد ثانياً فعادت الابتسامة الى وجه مدير الفريق رون دينيس. اما شوماخر فلم يتمكن من تعويض خيبته في التجارب التي احتل فيها المركز السابع واكتفى بالمركز الثالث في السباق مضيفاً اربع نقاط الى رصيده ليرتفع الفارق بينه وبين هاكينن في الترتيب العام الى 8 نقاط. وشدّد هاكينن قبضته على صدارة الترتيب العام اثر فوزه بسباق المانيا على حلبة هوكنهايم، المرحلة ال11 من البطولة. واكتملت فرحته باحتلال خصمه المباشر شوماخر المركز الخامس الذي يعني نقطتين فقط ما رفع الفارق بينهما الى 16 نقطة. ودفع شوماخر مرة جديدة ثمن فشله في التجارب التي احتل خلالها المركز التاسع. وعاد النقاد الى الحديث عن سيطرة ماكلارن وهاكينن على البطولة "المحسومة" في مصلحتهما لكن الموسم المليء بالتقلبات خبأ للجميع اثارة اكبر وأحداثاً مثيرة. وبدأت التطورات في السباق الهنغاري اذ لم يحتل هاكينن سوى المركز السادس وجمع نقطة واحدة مقابل 10 نقاط لشوماخر بعد احتلاله المركز الأول، فهبط الفارق من 16 الى 7 نقاط وهو فارق ضئيل قبل اربع مراحل من نهاية البطولة لم يتوقعه احد... حتى اكثر المتفائلين من عشاق شوماخر وفريق مارلبورو وفيراري، بعد البداية القوية التي حققتها ماكلارن. فوائد قوم وارتفعت درجة الاثارة الى القمة في سابق سبافرانكوشان البلجيكي الذي اقيم تحت المطر. فبعد امتار من الانطلاق حصل اكبر اصطدام في تاريخ فورمولا واحد بين 12 سيارة وخرج السائقون كلهم من دون اذى، في حين تحطمت 10 سيارات تماماً. وفي الانطلاق الثاني حاول هاكينن اقفال الباب امام شوماخر عند المنعطف الأول لكن الألماني وضع سيارته في مكان ممتاز ما ادى الى انزلاق سيارة هاكينن واصطدامها بسيارة اخرى وبالتالي الى خروجها من السباق. وفي هذه الاثناء كان الانكليزي ديمون هيل سائق جوردان موغن هوندا بطل العالم 96 قد انطلق في المركز الأول لكن سرعان ما لحق به شوماخر وتخطاه ووسع الفارق بينه وبين اقرب منافسيه الى حوالى 30 ثانية قبل ان يرتبك خطأ كلفه انتزاع المركز الأول في الترتيب العام لبطولة العالم. فعندما حاول شوماخر تخطي كولتهارد المتأخر بفارق لفة حصل اصطدام بين السيارتين وخرج الألماني من السباق. وبقي شوماخر متخلفاً بفارق سبع نقاط عن هاكينن في بطولة العالم فعض اصابعه ندامة لأنه كان بوسعه تخفيف السرعة وتخطى كولتهارد في طريق مستقيم بدل المجازفة عند احد المنعطفات. واعتبر شوماخر ان كولتهارد تعمد تخفيف السرعة لافتعال الحادث وحاول التصدي له داخل المرآب ولولا تدخل ميكانيكيي ماكلارن وفيراري لحصل شجار بين السائقين! ووسط هذه التطورات حقق فريق جوردان اول فوز له منذ بدأ يشارك في بطولة العالم العام 1991 بعدما احتل هيكل المركز الأول وجاء خلفه زميله الألماني رالف شوماخر. فوز... وفوز مصاد وكان السباق التالي على حلبة مونزا "معقل" شركة فيراري وفوز الشركة الايطالية العملاقة امام جمهورها لا يعني 10 نقاط فقط بل شحنة معنويات يحتاجها شوماخر بعد خروجه في بلجيكا. ورغم الانطلاق السيئ تمكن شوماخر من احتلال المركز الأول اذ تخطى هاكينن لحظة خروج كولتهارد المتصدر ولم يتنازل عن المركز الأول حتى النهاية. وحاول هاكينن مطاردته في القسم الاخير من السباق لكنه فقد السيطرة على سيارته لعطل في المكابح اضطره الى تخفيف السرعة فلم يحتل افضل من المركز الرابع ما يعني ان رصيدي السائقين في بطولة العالم باتا واحداً 80 نقطة... قبل سباقين من نهاية برنامج بطولة العالم. واكتملت فرحة "التيفوزي" لأن ايرفاين جاء في المركز الثاني ليحقق الفريق اول ثنائية في مونزا منذ العام 1988. وأقيم سباق لوكسمبورغ المرحلة قبل الاخيرة من البطولة على حلبة نوربرغرينغ الألمانية وكانت الغلبة للفنلندي الذي هزم شوماخر بپ"بسلاحه" المفضل بعدما تخطاه في المرآب بفضل استراتيجية رائعة نسج خيوطها فريق ماكلارن، علماً ان شوماخر تعود على تعويض فارق القوة بينه وبين ماكلارن بوضع استراتيجية ذكية خلال التوقفات. وعادت المبادرة الى الفنلندي قبل السباق الاخيرة في اليابان على حلبة سوزوكا علماً ان شهراً واحداً فصل بين سباقي لوكسمبورغ والمرحلة الاخيرة ما يعني ان فيراري وماكلارن حصلتا على متسع من الوقت لاختبار تعديلات جديدة على سيارتهما لاعتماد المفيد منها في سباق الحسم. معنوياً، كفة شوماخر راجحة لأن احداً لم يتوقع له ان يدخل السباق الاخير في وضع المنافس على اللقب، كما ان الخبرة تقف الى جانب البطل الألماني لأنه عاش تجربة الاعصاب اكثر من مرة خصوصاً انه احرز اللقب مرتين ونافس عليه حتى الرمق الاخير الموسم الماضي. اما هاكينن فيملك سيارة ممتازة ويتمتع ككل فنلندي ببرودة اعصاب يحسد عليها وحصل على شحنة معنويات كبيرة بعد انتصاره على شوماخر في سباق لوكسمبورغ. موسم فورمولا واحد هذا العام عودنا على المفاجآت والتقلبات... فهل يحفظ هاكينن مركزه الأول او يقلب شوماخر سائق مارلبورو الطاولة على ترشيحات بداية الموسم ويحصد لقبه العالمي الثالث؟