شعرت بالندم بعد موافقتي على دعوة اجراء تجربة على سيارة جديدة سيتم اختبارها في دبي. فما علاقتي بهذا الأمر وما صلة عالم الأفكار والتراث بتكنولوجيا السيارات وعالم "البزنس"؟ كل ما أعرفه عن هذا العالم لا يتجاوز قيادة سيارتي وهي "المهنة" الوحيدة التي أمارسها يومياً الى جانب الصحافة. وسيارتي من مخلفات "الحرب الباردة" وما زالت صامدة في صدّ التحولات. بينما يقوم عالم السيارات على التقنيات وعشرات التفاصيل والمقارنات بين طرازات مختلفة من جنسيات متعددة، وهو جزء من منظومة معقدة من الحلقات لا أعرف لغتها ولا رموزها. ترددت بين الذهاب والاعتذار... وعندما تعذر الأمر الأخير كان عليّ الذهاب، والتمسك بفضيلة الصمت. فخير الكلام الصمت والاُذن أحياناً أمضى من سلاح اللسان. فالصامت يربك المتكلم ويضع الأخير في موقع حرج لأنه لا يعرف سر الأول... فيحتار في تفسير السكوت، فهل الصامت لا يتكلم بسبب كثرة علومه أم لقلتها؟ وعندما يتكشف "السر" تكون المناسبة انتهت، وهي على كل حال، في مثل حالتي، لا تتجاوز الأيام الثلاثة. 72 ساعة ليست شيئاً مهماً في عالم الأفكار. فهذا العالم يقوم على انتاج فكرة على الورق والنتائج تكون بطيئة. أما في عالم "البزنس" فهي تعني الكثير من المال والقليل من الكلفة... وتعني أشياء كثيرة لها صلة بالتسويق والمنافسة والوقت. فالنتائج يجب أن تكون سريعة والا بطلت المشاريع وتوقفت العجلات. كانت تجربة فريدة من نوعها. فللمرة الأولى اسمع نقاشات حادة وغاضبة عن أشياء "مبهمة" تتعلق بشكل الضوء، وقياس المراية، وموضع الساعة، وقطر الدولاب، وسعة الخزان، وارتفاع السقف، وعرض المقعد، وطول المقود، وعمق الاتساع، والتصفيح، والتربيع، والتشكيل الهندسي... وغيرها من المعارف التي تطايرت من دون ان أنجح في التقاطها لأجمع اجزاء الصورة. كنت كالأطرش في حفل زفاف وكالأخرس في تظاهرة مطلبية. عالم "البزنس" هو نقاش يدور حول "سيارتي" أفضل من "سيارتك"، و"تلفزيوني" أحسن من "تلفزيونك"، و"ثلاجتي" أوسع من "ثلاجتك"... انه عالم يتجاوز الحاجات ويدخل ميدان التسويق أو التشويق للاستهلاك. قيادة السيارة في الصحراء تختلف تقنياً عنها في الطرقات المعبدة. فالسير في الصحراء غير مقيد بنظام وغير منتظم في خطوط واشارات وأضواء بل هو أشبه بفضاء مفتوح على فوضى. وشرط نجاح السيارة في الاختبار هو في مدى نجاحها في كسر قوانين السير المتعارف عليها. وحتى يستقيم خط سيرها لا بد من كسر قواعد النظام والانتظام ولوي مقود السيارة بسرعة الى اليمين واليسار واليسار واليمين فيستقيم الخط وتنزلق السيارة بثبات وتنجو الدواليب من خطر الانغراز في الرمال. مرت الساعات سريعة... وعلى خير، وتم تعويض الصمت بنجاح تجربة قيادة أحدث السيارات تقنية في رمال الصحراء.