مكتفياً بالحياة القليلة التي استأجرْتُها في تلك الغُرَفْ بما كان يتسرَّبُ اليها من درفة نافذةٍ وحيدة بتلك الجَلَبة الخفيفة التي تشبه خفقة جناحٍ لطائرٍ في قفصْ هناك حرَّكْتُ أقلَّ ما يمكن من الهواء، وأنا أتجوَّل في الممرِّ المؤدي الى الشرفة أو المطبخ هناك أفسدتِ الرطوبةُ اسمي، بينما كنتُ أتداعى تحت ضربات الوحشة، منكبَّاً على ترجمة الأعمال الكاملة للنَّدمْ هناك ثابرْتُ على نحتِ تمثال أَرَقي، مُضيفاً إليه، كل ليلةٍ، ما يكفي من صلصال السَّأم الذي يليقُ بنصبٍ تذكاري هناك تعلَّمتُ كيف أُصغي الى نفسي، وكيف أتحدَّث معها، الى أن أتقنْتُ ذلك، كمهنةٍ، وسط الآخرينْ هناك ربَّيتُ كآبتي ورحْت أُنزِّهها، كل مساء، على البحر متأمِّلاً أن تضيع، مثل كلبةٍ بيضاءُ ومنقَّطْةٍ، في الزِّحام هناك مدَّدتُها على سريري دفَّأْتُها بالشراشف ضاغطاً على يدها بيديَّ اللتين تشبهان أيدي النِّساءْ * شاعر من سورية.