البديوي: دول مجلس التعاون كانت ولا تزال داعمًا رئيسًا للشعب السوري    النصر يتغلّب على الأهلي بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    قسم الاعلام بجامعة الملك سعود يقيم فعالية الاعلام والحرف اليدوية،    الدفاع المدني ينبّه: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    بحضور وزير الثقافة.. تعاون مشترك بين «هيئة التراث» و«الإيسيسكو»    زيلنسكي: لن نقبل بأي مفاوضات حول أوكرانيا دون مشاركتنا    مجموعة stc تعزز ريادتها في الذكاء الاصطناعي خلال LEAP 2025 وتوقّع أكثر من 75 اتفاقية إستراتيجية    وزير الدفاع الأميركي: لا يمكن العودة إلى حدود أوكرانيا لما قبل 2014    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تطلق المرحلة الثانية من إستراتيجية البحث العلمي والابتكار    ديوانية القلم الذهبي تعقد أولى جلساتها النقاشية بحضور مجموعة متميزة من الأدباء والمثقفين    "للمرة السابعة في المملكة" .. حلبة كورنيش جدة تشهد انطلاق جولتي بطولة "إيه بي بي فورملا إي"    خادم الحرمين وولي العهد يهنئان كونستانتينوس بمناسبة انتخابه رئيساً للجمهورية الهيلينية    "عِلم" تختتم مشاركتها في مؤتمر ليب التقني 2025    مدير الأمن العام يدشن مركز المراقبة الميداني بالإدارة العامة لدوريات الأمن    الرئيس الرواندي يستقبل رئيس اتحاد الغرف والمستثمرين السعوديين    عسير: القبض على مخالف لتهريبه 49350 قرصاً خاضعاً لتنظيم التداول الطبي    «الكرملين»: الرياض مناسبة لعقد مباحثات الرئيسين الأمريكي والروسي    بتوجيه من ولي العهد.. استحداث إدارة عامة للأمن المجتمعي ومكافحة جرائم الإتجار بالأشخاص ترتبط بالأمن العام    «حرس الحدود» بعسير ينقذ مواطنيْن من الغرق أثناء ممارسة السباحة    المشهورة إيلاف الزهراني: دجال أوهمني بأن داخلي جنياً    أكثر من 949 مليار ريال الودائع الادخارية والزمنية بنهاية عام 2024م لتبلغ قمّتها    الرئيس اللبناني: نتابع الاتصالات لإلزام إسرائيل بالانسحاب من الجنوب    سعود بن نهار يطلع على أعمال فريق تهيئة وسط البلد    شراكة استراتيجية بين مجموعة فقيه للرعاية الصحية وهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار لدعم الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية    الإبراهيم: تريليون دولار احتياج البنية التحتية في 10 سنوات    "رمز أحمر" ب"مركزي القطيف" يخلي 10 أقسام والدفاع المدني يسيطر على الحريق    رئيس الوزراء المصري: نبذل جهوداً لتنفيذ بنود وقف إطلاق النار في غزة    الهيئة الملكية لمدينة الرياض تطلق مشروع «الحي الإبداعي»    مدير عام تعليم مكة يدشّن المعرض الفني واحتفالية يوم التأسيس    المالية وصندوق النقد الدولي يستعدان لإطلاق مؤتمر العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة    إحتفال قسم ذوي الإعاقة بتعليم عسير بيوم التأسيس السعودي    تدشين الأعمال التطوعية في المسجد الحرام    انطلاق مؤتمر القصيم السابع للسكري والغدد الصماء بمشاركة نخبة من الخبراء    أمير نجران يُكرِّم مدير فرع المجاهدين بالمنطقة سابقًا    وزير الثقافة يلتقي وزيرة الفنون والثقافة والاقتصاد الإبداعي النيجيرية    «أخضر» 20 في اختبار «النشامى»    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة جمعية "إطعام"    برنامج "أمل" السعودي في سوريا.. ملحمة إنسانية ونبض حياة    نائب أمير مكة يشهد تخريج 19,712 طالباً وطالبة في جامعة المؤسس    أمير الأحساء يكرم الفائزين بجائزة تميز خدمة ضيوف الرحمن    «السكري» يكتفي بالتعادل أمام الوكرة    بيلينغهام: الريال حقق فوزاً مستحقاً في ملعب السيتي    «كلاسيكو» الخميس يجمع الأهلي بالنصر    4 حالات لاسترداد قيمة حجز حجاج الداخل    منطلق حوار للحد من تفشي الطلاق    الحلم النبيل.. استمرار للمشروع السعودي    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    السعودية" أرجوان عمار" تتوج برالي أبوظبي باها 2025    5 خرافات عن العلاج بالإشعاع    أوبك تثبت توقعاتها حول الطلب على النفط    رئيس وزراء باكستان: المملكة صديق موثوق.. ندعم سيادتها وسلامة أراضيها    أمريكية تعتصم أمام منزل خطيبها الباكستاني    نادية العتيبي سعيدة بالتكريم    "تعليم شرق الدمام" يحتفي بالفائزين في تحدي القراءة    إعلاميو "الأوفياء" يطمئنون على الحداد    والدة إلياس في ذمة الله    تعب التعب    مملكة الأمن والأمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة أولى في ديوان "أشباح جرحتها الإضاءة". من ضجيج الروح .. إلى عزلة الجسد
نشر في الحياة يوم 19 - 10 - 1998

عندما تطابق الكتابة حدثاً، يرتبط فيها الفعل بالحرف، والصورة بالكلمة، والمشهد بالجملة، تستشعر حيوية ذلك المكتوب، بوصفه كاشفاً للرؤية المطموسة في منظومة الكتابة، بما استكن داخلها من عناصر إيحائية ذات اتصال حميم بالحدث الإنساني المفجّر لطاقات الإبداع.
نستطيع - إذن - الحديث عن نمطين من الكتابة، أو طريقتين رئيسيتين، إحداهما "الطازجة" وهى التي تمنحك الإحساس بآنيتها، وربما انعكس لدى القارئ إحساس موازٍ بالألفة يقوده إلى الشعور بالمشاركة الإبداعية في الكتابة. والأخرى "المبيتة" ولا تعني السلب والتعسف، وإنما هي تنطوي على نوع من التواطؤ والاحتشاد بالكلمات والأفكار، حيث تكون الأفكار غالبة على الحدث، أو أن الحدث هو الذي تحركه الفكرة وليس العاطفة، وفي ظني أنها مرحلة تالية للكتابة "الطازجة" التي هي كتابة الحياة: البوح .. الحدث .. المشاهد .. التفاصيل الصغيرة. وفي الديوان الأول لشاعر - خصوصاً إذا كان صغير السن - يغلب عليه نمط الكتابة "الطازجة" حيث ترى الذات الشاعرة عالمها من منطق الفعل وليس رد الفعل. وإذا كان الشاعر أكثر نضجاً وتمرساً يمتزج في ديوانه نوعا الكتابة السالفان.
في ديوان عماد فؤاد المقسم الى ثلاثة أقسام رئيسية، نلمح في الأول منها "حادث انتحار خفيف" كتابة "طازجة" ذات التصاق حميم بالحياة، حيث الروح معبرة بالضجيج والجسد خاوٍ مُسيّر لخدمتها، من ثم تنفتح الذات التجريبية على العالم، وتتعامل مع مفرداته بتداخل غير حذر، عن طريق بنية "العبيط" المستغلة في هذا القسم، سواء كان ذلك على مستوى الرؤية:
"العبيط الذي شبّه لمرآته أولاداً كثيرين،
ظل جالساً فوق مقهى البستان خمس ساعات،
يتأمل امرأة تدخن النرجيلة .. ويضحك،
يتأمل البنت التي تشبه ببدانتها حبيبته القديمة والرجل الذي لا يُنفخ في صورته أبداً" ص 11.
أو على مستوى الحديث، وإن ادعى غير ذلك:
"أنا لست عبيطاً، حين أفرح فلأنني املك ريقاً يسيل فوق المخدات اثناء نومي، فأصحو على بقعة نيئة ترطب الوجه" ص 13.
وتبدو المدينة كمسرح للأحداث من حيث هي بنية مكانية تتلائم مع "العبيط" كشخصية بنيوية متسلطة في هذا القسم، فتظهر لنا بشوارعها وأزقتها ومقاهيها لتظهر المواصفات الكائنة في هذه البنية الأخيرة. وتملأ المدينة الروح ضجيجياً فتوازيها في مدلولاتها ومتطلبتها، عندئذ يبدو لنا الجسد خادماً لهذه الروح الجديدة، بما يتفق مع شخصية "العبيط"، فكان ذلك إيذاناً بالتعامل مع الخارج لا من حيث انعكاسه مع الداخل، بل بمقارنته ومقابلته بنظائرة. فغلبت "تيمة" الجنس كإحدى المتطلبات التي يكسر بها الشاعر - عن طريق عبيطه - أحد التابوهات.
"ولست عبيطاً حين أفكر أن هناك بين هذه البنات الكثيرات بنتاً لا بد تحب ان تتذوق جسدي" ص 13.
وفي قصيدة كاملة ص 13 يكشف لنا الشاعر عن هذه الحاجة الملحة والتي يتعامل معها بشكل يتفق مع طبيعته الظاهرية في ظل غياب الروح أو حضورها الموجه، عندئذ يكلّ الجسد المستعبد فينأى بنفسه:
"العبيط..
مرة أخرى تعب، لمَّت مقاهيه القديمة من عبِّه خيوط بهجته" ص 33.
من ثم يبدأ الفعل الحقيقي للانتحار - المعلن عنه في البداية - في نهاية القسم الأول، من خلال قصيدة التحول في الديوان، وهى أطول قصائده على الإطلاق، سواء كان التحول في البنية أو الشكل. فمن حيث البنية، انتهت بنية "العبيط" على مستوى الظاهر، وتوارت المدينة بأبعادها المكانية، وإن ظلت في الذاكرة. هنا.. يلوذ العبيط "المعدّل" - في القسم الثاني - بأماكن أكثر انغلاقاً بعد تجربة مريرة مع المفتوح والحسي، وتبدأ - على مستوى الشكل - رحلة جديدة من الكتابة حتمتها البنية الجديدة، وهو ما يكشف عن علاقة وثيقة بين الشكل والمضمون. فيغلب عليها الهدوء وعدم الانفعال في تناول الحدث، بل يتم التعامل معه من منطق تصويره للفكرة، بعكس القسم الأول، حيث الحدث هو الأهم والتفاصيل غاية في ذاتها. وهذا ما يكشف بقوة عن ارتباط الشكل بالمضمون، وتكشف البنية الجديدة في القسم الثاني وهي "الوحدة" عن "عبيط معدّل"، يتقيأ حصيلة تشرده وصعلكته المرتبطين بالمدينة، ما يوحي باستكناه الداخل المعطل - سابقاً - لغلبة المشاهدة والانبهار على الذات. من ثم يتحول الى كتابة مغايرة على المستويين الايحائي واللفظي، فتزداد مساحة الرمز وتقل المفردة، مما يشي بكتابة "مبيتة" يتحرك فيها الحدث بناء على رغبة الفكرة، وتتضاءل التفاصيل من حيث وجودها الإيحائي. فإذا كان الشاعر في القسم الاول يفرد مساحة سرد في قصيدة كاملة للمقهى، يحشد من خلالها مفردات المكان وما يتعلق بظاهر مرتاديه - قصيدة "الخرابات التي تتسع - كل يوم - في صدره"، نجده في بداية القسم الثاني - "إغماءات نغّصت وحدتي" - أقل "عبطاً" وأكثر هدوءاً وتمكناً، فيفرد له مساحة صغيرة ومكثفة فيكشف بذلك عن روح أقل ضجيجاً وجسداً اكثر هدوءاً، حيث تمتزج العلاقة بين الدخل والخارج:
"الآخرون يتراصون مع الوقت
نتبادل النظرات بتحيات مختصرة وخجولة،
ونصمت فجأة" ص 53.
وتظل كتابة الذاكرة هي مجمل قصائد هذا القسم - الثاني - حيث يتم وضع الانساق المعرفية لدى الذات على مشرحة "الوحدة" فيتم ترشيحها لتخرج بصورة مغايرة لما ترسبت عليه. وبذلك يعاد تشكيلها لتتلائم مع منظور جديد في الرؤية، ينبع من ذات مرسلة - استغنت تماماً عن التلقي - استطاعت ان تستقرئ الشواهد لتبسط لنا فلسفتها النهائية:
"الأوراق التي تتهاوى من شبابيك الجيران
لم نعد نهتم بها
في البداية جربنا محاولين التقاط اكبر عدد
وحين قرأناها ..
ضحكنا من سذاجتنا ..
وتألمنا صامتين" ص 53.
هكذا..، يتكشف في القسم الأول العبث المؤلم والسعي غير الجاد في علاقتنا بالآخرين، وما يستتبع ذلك من ألم مرير ينغّص علينا وحدتنا، فلا يجب إذن - لأننا وجوديون - أن نخترع بأنفسنا آخر جديداً نستطيع التعايش معه - وهو ما يحاوله القسم الثالث والأخير من الديوان - فربما هو العود الحسن:
"كأنني عدت مرة أخرى
طيباً .. ووديعاً" ص 85.
* صدر كتاب "أشباح جرّحتها الإضاءة" شعر لعماد فؤاد عن ديوان "الكتابة الأخرى" - القاهرة 1998.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.