خمسون لوحة بالأسود والأبيض ومئة وثلاثون بالألوان مع مقدمة ودراسات عدة ومختصرات من مقالات سبق نشرها، هي مادة كتاب كبير صدر عن الجامعة الأميركية في القاهرة كبادرة تقدير واحتفاء بما يقارب نصف قرن من المسيرة الفنية للرسامة المصرية جاذبية سري. وجاذبية سري رائدة من رواد الحركة الفنية المصرية الحديثة، ولدت في القاهرة في تشرين الأول اكتوبر 1925، وتعلمت الرسم في المعهد العالي للفنون الجميلة في القاهرة وتخرجت فيه العام 1949 لتبدأ بالتدريس في جامعة حلوان لفترة قصيرة سرعان ما انهتها للتفرغ لهوايتها وللبدء بسلسلة معارضها الفنية العام 1951، ثم عادت لتكمل تحصيلها الفني بالدراسة في فرنسا ثم بريطانيا وايطاليا وأخيراً في الولاياتالمتحدة. يذكر مرسي سعدالدين، معد الكتاب، في مقدمته، ان لوحات جاذبية هي مظاهر لانفعالاتها الداخلية بالصورة التي وصفها كاندينسكي ب "الضرورة الداخلية". وعن بداياتها يقول إنها وصلت مرحلة النضج الفني في فترة مبكرة من عملها، لكن الفن أصبح بالنسبة إليها سلاحاً اجتماعياً مثلما كان الأمر مع كوربيه، ولوحاتها تعكس الالتحام والعلاقة بين المتناقضات: الحزن والسعادة، الضوء والظلام، الحياة والموت، لكن الكفاح من أجل الحياة منعكس بوضوح في أعمالها. ويضيف: "تعمل جاذبية على خلق بيئة بصرية، غالباً بيت، بقايا، أو منظر طبيعي، ونجد في لوحاتها مشاهد حميمة مع انشاءات عرضية، وعلى العكس من اللوحات التقليدية، المحكمة والمرسومة طبقاً لقواعد مسبقة، فمن الصعب تقييد جاذبية إلى أي نوع من المدارس الفنية التقليدية، ومع ذلك فإن عملها يشترك بملامح كثيرة مع التعبيرية الجديدة، مدرسة الفردانية وتأكيد الذات". والفناني سري غزيرة الانتاج أقامت العشرات من المعارض الشخصية والجماعية وحصلت على جوائز كثيرة، ومع ذلك تقول إنها لا تشعر بالحاجة للاستراحة فالعمل ضرورة تحوله حماستها المتوقدة دائماً إلى متعة. وهي تنقلت بين أساليب واتجاهات متنوعة كان محورها جميعاً الإنسان والطبيعة. ومثلما يشير الناقد مختار العطار، فإن لمعارضها موضوعات مختلفة تكشف جوانب شخصيتها المتعددة على رغم اعتمادها الاسلوبين، الواقعي والتجريدي، وأن عملها هو مدرسة فنية بحد ذاته، وخطوطها وألوانها تنبعث من لغة الفبائها يكمن في الهارموني واللمسات الحية التي تشع قوة وجمالاً وتحفز المخيلة. ويقول العطار: "منذ بداياتها شعرت جاذبية بأن لديها ما تقدمه لهذا العالم، فأصبحت عن حق رائدة من الجيل الثاني من الرسامين بعد جيل يوسف كامل ورجب عياد ومحمد نجوي ومحمود سيد ... ومثل أعمال الفنانين العظماء عبر التاريخ تستجيب لوحات جاذبية سري لحياة أمتها في الأيام الطيبة وأيام الشدة، فقد عبرت عن مشاعر شعبها بعد هزيمة 1967 في لوحة لفتاة عارية تغطي وجهها لكي لا ترى الحدث الرهيب تحيط بها بيوت مهدمة مظلمة، هجرها ساكنوها، ذلك على عكس آخر معارضها التي استعملت فيها ألواناً زاهية ولمسات بهيجة تماثل بهجة الحياة في أوقات السلام". ويذكر الناقد صبحي الشاروني في مقال كتبه العام 1983 لمجلة "الدوحة" ان جاذبية لم تقيد نفسها بالتقنيات الاكاديمية التي درستها، أي ان تنسخ الطبيعة وتصور المظاهر المادية للأشياء، وذلك في الحقيقة يخالف ما ذهب إليه معظم مجايليها، حيث بدأوا أكاديميين ليتطوروا لاحقاً. فهي حررت نفسها منذ البداية من قيود الاشكال الطبيعية، لأنها مع كونها فنانة "واقعية"، فإن اهتماماتها الاجتماعية والسياسية والافريقية والعالمية لم تسمح لها بأن تضع قواعد صارمة لأسلوبها. ويضيف: "آمنت جاذبية سري منذ فترة مبكرة في مشوارها الفني بأن الواقعية يجب أن لا تقيدها إلى صيغ منهجية قاسية بقدر ما تترك لها الحرية لأن تتعامل مع الموضوعات كافة بأسلوبها الخاص الذي يستلهم خبراتها وثقافتها القائمة على أساس التراث القديم للمنطقة والتراث العالمي الحديث". ويستعرض الكتاب حياة جاذبية سري وأعمالها منذ أواخر الأربعينات حتى الوقت الحاضر على مدى حوالى 220 صفحة من القطع الكبير باللغة الانكليزية. Gazbia Sirry: Lust for Colour Edited by: Mursi Saad El-Din The American University of Cairo Press - Cairo ISBN 977-424-404-4