ماذا يعني بالنسبة إلى المسيحيين إنتخاب قائد الجيش العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية؟ وما مدى إمكان التعايش بينه وبين رئىس الحكومة رفيق الحريري الذي رشّح نفسه إلى رئاسة حكومة العهد الأولى؟ في الإجابة عن السؤال الأول قال مصدر وزاري ل"الحياة" أن انتخاب لحود "يعني أن البلاد على وشك الدخول في مرحلة سياسية جديدة لأنه يشكل نقلة نوعية في الحياة السياسية. فالشعور المسيحي بوجود حال من الإحباط لا بد من أن يزول تدريجاً، باعتبار أن معظم الوسط السياسي والرسمي سارع منذ أن طرح اسمه في بورصة المرشحين إلى تصنيفه في خانة الرؤساء الأقوياء. ومن يتوقف أمام ما حملته وتحمله تجربة العلاقة بين رؤساء الجمهورية الياس الهراوي والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة الحريري "يشعر أن ميزان القوى السياسي لم يكن لمصلحة رئاسة الجمهورية على رغم الدور البارز الذي أدته. حتى أن البعض في الشارع المسيحي كان ينظر إلى وجود الرئيسين بري والحريري إضافة الى وزير شؤون المهجّرين وليد جنبلاط على أنهم الصقور بالمعنى السياسي للكلمة، في مواجهة رئىس الجمهورية، بسبب إعادة ترتيب الصلاحيات بعد تعديل الدستور اللبناني، ما اضطر هذا البعض إلى المبالغة في الحديث عن خلل في العلاقات على نحو كاد يؤدي إلى عقدة لدى المسيحيين". ورأى "أن الوضع السائد في الشارع المسيحي قبل إنتخاب لحود كان يوحي بأن البطريرك الماروني نصرالله صفير أصبح مرجعاً سياسياً من دون أن يمارس السياسة، وأن هذا الشعور أخذ من درب الرئيس الذي يفترض أن يكون المرجع الأقوى إن لم يكن الأوحد، فضلاً عن أنه أشاع حالاً من الفراغ اختيرت بكركي لملئه بدلاً من الإلتفاف حول الرئاسة الأولى". ولفت إلى أن وجود لحود في سدة الرئاسة "سيخفف حكماً من وهج بكركي والدور السياسي الذي سلم به معظم الأطراف والقوى السياسية المسيحية، أكانت مناوئة أم موالية للنظام على السواء، إضافة إلى أنه سيقلل من نجومية معارضين من داخل النظام، في مقدمهم النائبان نسيب لحود وبطرس حرب". وبالنسبة إلى التيار المعارض الذي يمثله العماد ميشال عون، قال المصدر أن الصفات التي يتمتع بها الرئيس المنتخب "ستدفع ببعض مؤيّدية إلى إعادة النظر في مواقفهم من النظام خصوصاً أن وجوهاً بارزة في التيار المذكور كانت سارعت إلى بلدة بعبدات مسقط العماد لحود، لتكون على رأس مستقبلي الوفود المهنئة". وتابع "أن البعض من التيار العوني يتحدث في استمرار في معرض إنتقاده السلطة، عن رغبته في قيام دولة المؤسسات والقانون وربما رأى أن ما يطرحه موجود في شخص العماد لحود. ولهذا سارع، عفوياً، إلى الترحيب بمجيئه، كونه يمثل لهم رئيس الجمهورية الواعد الذي ينبغي لهم منحه الفرصة للتأكد من مدى مقدرته على ترجمة ما ينقل عنه من أقوال إلى أفعال". وأكد المصدر الوزاري "أن الشارع المسيحي سيشهد إعادة خلط الأوراق السياسية التي سيستفيد منها في الدرجة الأولى الرئيس المنتخب خصوصاً أن النواب المعارضين اقترعوا لمصلحته رافضين الخروج عن الإجماع الذي حظي به". وفي شأن إمكان التعايش بين لحود والحريري، يقول أحد الوزراء مازحاً أن كلاهما "يواظب على العمل ولا يلتزم الدوام الرسمي ... وانتظروا من الآن فصاعداً أن يعقد مجلس الوزراء في ساعة مبكرة، أو أن يعقدا إجتماعات عمل قبل السابعة صباحاً، قبل أن يستيقظ من يعنيهم الأمر من وزراء ومديرين". قد يكون من السابق لأوانه الإجابة عن سؤال افتراضي عن مدى صمود التعايش بينهما لكن هذا لا يمنع من القول، بحسب الوزير نفسه، أن رئىس الحكومة "طرح فور مجيئه إلى الحكم على رأس الحكومة الأولى شعارات وأهدافاً يعد الرئىس المنتخب بتحقيقها، لكنه عجز عن تحقيقها لأنه اتخذ قراره ولو قسراً، بالتكيف مع الفريق السياسي بدلاً من أن يدفعه إلى التكيف مع تطلعاته". ويرى الوزير أن الحريري "اصطدم بعناد الطبقة السياسية الحاكمة واضطر إلى تقديم التنازل تلو الآخر، وعلى رغم ذلك لم تؤمّن له الحماية المطلوبة، ومارس التعايش مع الطبقة السياسية بدلاً من طلب الحماية من الرأي العام الذي كان بادر بتسليفه من خلال تحويل ما يدخره من عملات صعبة إلى العملة الوطنية، لدعم الإقتصاد اللبناني". واعتبر أن خطأ الحريري "يكمن في الإستسلام للضغوط التي مارستها عليه الطبقة السياسية ما أفشل الإصلاح الإداري، وعجز عن إقناعها بالموافقة على خطوة تجميلية تتعلق بإجراء مناقلات بين كبار الموظفين". ورأى أن انتخاب لحود "سيؤدي إلى تغيير في أصول اللعبة السياسية على صعيد مجلس الوزراء وبالنسبة إلى علاقته بالسلطة التشريعية، إضافة إلى تعديل ميزان القوى السياسي". وتوقع "تبدلاً في وضعية الحكومة في المجلس النيابي، لأنها على غرار سابقاتها، لا تشعر بدعم نيابي لها، ما دام رئيس الجمهورية لم يكن مؤثراً كما يجب في اللعبة البرلمانية، أسوة بما كان يحصل في السابق. إذ سيكون لمؤسسات الدولة وضع جديد، عبر إرساء سقف للتعاون بين رئيسي الجمهورية والحكومة، لأن الأول جزء من التركيبة السياسية ولا يمكنه ممارسة سياسة الوقوف على الحياد، الذي يسمح بالصدام بين رئيسي المجلس والحكومة بعد إخراج رئاسة الجمهورية من اللعبة في شكل يصوّر الوضع كأن البلاد تخضع لمنافسة طائفية أو مذهبية". ويؤكد الوزير أن تجربة التعاون بين قيادة الجيش ووزارة المال "كانت ناجحة جداً، وأن الطرفين تجاوزا في سرعة إشكالاً حصل بينهما العام 1994"، مشيراً إلى "الإجتماعات التي عقدت بين لحود أثناء وجوده على رأس المؤسسة العسكرية والحريري الذي شعر أن معظم ما يطرحه الأول يعبّر عن طموحاته التي لم يتمكن من تحقيقها". ونقل الوزير الذي فضّل عدم الإسترسال في التكهّن في شأن علاقة الإثنين، عن الحريري "لسنا متباعدين قط، وأشعر بتفاهم على العناوين الكبرى، خصوصاً أننا لا ننطلق من خلفية شخصية وأن طبع "الجنرال" لا يسمح بتمرير الأمور إذا كانت على خطأ".