يقدر عدد المسلمين في البرتغال الآن بحدود 25000، والغالبية العظمى منهم يتمتعون بالجنسية البرتغالية. وبصورة عامة ينحدر هؤلاء من أصول هندية باكستانية هاجر أو هجر أسلافهم من مواطنهم الأصلية في شبه القارة الهندية الى المستعمرات البرتغالية في آسيا وأفريقيا خلال القرون القليلة المنصرمة، وقدموا الى البرتغال بصفتها الوطن الأم بعد أن تحررت واستقلت تلك المستعمرات بخاصة في عقد السبعينات. أما الجالية العربية في البرتغال في الوقت الحاضر فهي صغيرة جداً من ناحية العدد، وقد لا تتجاوز الخمسمائة، صار لبعضهم مكانة اجتماعية مميزة وبخاصة منذ مطلع عقد الثمانينات. فإضافة الى موظفي السفارات العربية الثماني سفارة العراق والمملكة العربية السعودية وفلسطين ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وعوائلهم، هناك عدد من مواطني بعض هذه الدول إضافة الى مواطني سورية ولبنان والأردن، وهم إجمالاً موزعون على الأديان والمذاهب السائدة في العالم العربي، والغالبية العظمى منهم من مواطني المغرب العربي. إن غالبية أبناء الجالية العربية من أصحاب الحرف أو العاملين بالخدمات، ولكن هناك عدداً من رجال الأعمال والمستثمرين في العقار، معظمهم من حملة الشهادات الجامعية باختصاصات مختلفة، كما يعمل بعضهم بالتدريس الجامعي أو في المشاريع الهندسية التجارية. وقد وجد المستثمرون العرب فرصاً مشجعة لبرامجهم على رغم حداثة البرتغال كدولة أوروبية تدين بمبدأ اقتصاد السوق، ولاقوا تشجيعاً وتجاوباً من قبل السلطات على رغم البيروقراطية. وهناك عدد قليل جداً ممن لاقى الأجواء المناسبة والطبيعية الملائمة للإقامة في البرتغال بعد أن تركوا أوطانهم العربية طوعاً أو اضطراراً. وتجدر الإشارة الى أن الاستثمار العربي في البرتغال ازداد بشكل ملحوظ، وان كان الكثير من المستثمرين العرب غير مقيمين في البرتغال. أما مجال الاستثمار الذي يهتم به المستثمر العربي فهو في المشاريع السياحية والسكنية ثم في الصناعة. ان أهم ما تعانيه الجالية العربية هو عدم وجود مدارس على المستويين الابتدائي والثانوي تعني باللغة العربية. والمحاولات جارية بين أبناء الجالية لملافاة هذا النقص حتى لو كان ذلك عن طريق المسجد الجامع الكبير الذي ساهم في بنائه عدد من الدول العربية والإسلامية وبعض الممولين من أبناء الجالية الإسلامية. وتجدر الإشارة الى أن هناك عدداً محدوداً من الجوامع الصغيرة منتشرة في البلاد. في الفترة الأخيرة ازداد اهتمام الدولة بالعلاقات التجارية والثقافية مع الدول العربية. فبعد أن كانت العلاقات الثقافية والتعاون الفني مقتصراً على اهتمامات مؤسسة كولبنكيان والتي لجأ عمادها للإقامة في البرتغال بعد أن ترك مركز إقامته في فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية، أخذت الدولة تهتم بالعلاقات الفنية والثقافية ذات الطابع العربي. والمعروف أن مؤسسة كولبنكيان التي عرف مؤسسها بأنه صاحب الخمسة في المئة من نفط العراق، أخذت تقدم المعونة الفنية والهبات للمشاريع الثقافية في العراق وبعض الدول العربية الأخرى في الخمسينات والستينات من هذا القرن، ومنها المنح الدراسية ودعم المنشآت الثقافية مثل جامعة بغداد وبعض مؤسساتها كمكتبة الجامعة وكلية الهندسة، وملعب الشعب، ومتحف الفن الحديث في بغداد. ولكن مثل تلك البرامج توقف بعد تأميم شبكة نفط العراق عام 1972م، وأصبح اهتمام تلك المؤسسة فيما يخص برامج التعاون مع دول المشرق العربي، مقتصراً على بعض النشاطات الثقافية والفنية والتي تقدمها مؤسسات أو مجموعات عربية في قاعات مركزها بلشبونه. ازداد اهتمام البرتغاليون في الآونة الأخيرة بماضيهم المشترك مع العرب نتيجة عوامل مختلفة منها ما بدا لهم من فوائد اقتصادية جناها جيرانهم الإسبان من خلال التركيز على علاقاتهم الثقافية والسياسية مع العالم العربي انطلاقاً من التاريخ المشترك والجوار الجغرافي بحكم موقعهم على حوض البحر الأبيض المتوسط. كما شجعت الظروف السياسية الاجتماعية المستجدة اقليمياً عدداً من الباحثين البرتغاليين على نفض الغبار عن تراث قرون من الزمن طالما تجاهلها المتزمتون دينياً وسياسياً، للتعريف بحضارة تركت آثاراً لا يستهان بها في بلدهم، ومن البحوث التي وضعت بهذا الشأن أعمال دياس فرنيه وجوزي غارسيه دومنغو حول علاقة اللغة البرتغالية باللغة العربية، وأعمال بيدرو مشادو الذي حاول جمع العبارات والأسماء التي لها علاقة بالعهد العربي الإسلامي في البرتغال، ولو أن دراسته هذه تحتاج الى مراجعة ومزيد من العمق. ومن البرتغاليين من اهتم بالأدب العربي والشعراء العرب من مواليد البرتغال، فقد ترجم عادل برتو ألفس بعض قصائدهم، وهو الذي ألّف كتاباً حول المعتمد ابن عباد، ويسهر الآن على تحضير دراسة وافية لحياة وأعمال أبو القاسم ابن فاس المتصوف الذي اشتهر بمساندته للموحدين ومشاركته في إحباط سلطة المرابطين بالبرتغال وأنحاء أخرى من الأندلس. إضافة الى ما تقدم يلاحظ أن الصحف البرتغالية أصبحت تنشر المقالات حول العهد العربي القديم وتخصص مكاناً في بعض إعدادها للاستجوابات والتحقيقات حول التراث العربي في البرتغال. كما يلاحظ أن بعض السلطات المحلية البرتغالية أخذت تشجع أعمال الحفريات الاستكشافية في الأماكن التي بها آثار إسلامية وتعنى بها، بينما تهتم بعض البلديات بإقامة أنصاب تذكارية لأدباء عرب ولدوا في البرتغال في العهود القديمة وتسمى بعض شوارع مدنها بأسماء مثل هؤلاء الأدباء كما هي الحال في باجه وشلب وغيرهما من المدن البرتغالية. من جهة أخرى تسعى الحكومة الى توطيد العلاقة مع الدول العربية تحدوها رغبة متبادلة من بعض تلك الدول لدعم تلك العلاقة مع المستويين الاقتصادي والثقافي. ويلاحظ أن حجم التبادل التجاري بين البرتغال وبين عدد من الدول العربية قد ازداد في الحقبة الأخيرة من الزمن. فإضافة الى ازدياد اعتماد البرتغال على النفط العربي الخليجي، بدأ أخيراً استيراد الغاز الطبيعي من الجزائر من خلال انبوب بحري عبر مضيق جبل طارق والأراضي الإسبانية. كما ازداد عدد السياح العرب للبرتغال وكثرت المناسبات الثقافية التي يتم من خلالها اللقاءات الثقافية والفنية وتبحث فيها مجالات التعاون على جميع المستويات، بما في ذلك التبادل التجاري. وتسهم في الإعداد لمثل هذه المناسبات مؤسسات برتغالية رسمية وشبه رسمية بصورة منفردة أو بالاشتراك مع مثيلاتها من بعض الدول العربية وبمبادرة القطاعين العام والخاص. ومن هذه المؤسسات: 1 - الغرفة العربية البرتغالية التجارية. 2 - المعهد البرتغالي العربي للتعاون. 3 - جمعية الصداقة المصرية البرتغالية. 4 - غرفة تجارة المغرب. 5 - جامعة البحر المتوسط. من أهم الفعاليات التي قامت بها أو ساهمت بها هذه المؤسسات خلال السنتين الأخيرتين هي: * البرنامج الثقافي العربي الايبيري عام 1996. * برنامج العرب بيننا. * الاسبوع العربي للأفلام. * مؤتمر غرف التجارة العربية البرتغالية. وقد اهتمت السلطات البرتغالية بفعاليات مؤتمر غرف التجارة العربية البرتغالية اهتماماً كبيراً، حتى أن رئيس الجمهورية جورج سامبايو افتتح المؤتمر بكلمة مهمة اعتبرتها الصحافة تكريساً للعلاقات المستقبلية الجيدة بين البرتغال والعالم العربي. ففي كلمته تلك عبّر رئيس البرتغال عن أسفه لما بدا من البرتغاليين تجاه العرب المسلمين في الماضي، وان لم يقدم اعتذاراً على غرار ما فعله رجال الدولة البرتغالية في السابق تجاه اليهود. ومع هذا فإن ما قاله يتماشى مع روح التسامح التي يبديها المواطن البرتغالي الاعتيادي تجاه الأجانب والتي تخلو من شوائب العداء على رغم وجودها عند بعض المتزمتين دينياً. ولهذا يعتبر العرب المقيمون بالبرتغال بأنهم يحظون بأجواء بعيدة عن الغضاضة والتشنج، ويقدرون ظروف الحياة فيها أيما تقدير. مصطفى بن عمار: سابقاً وزير التربية في الجزائر، ثم سفير الجزائر الأسبق في البرتغال التي يقيم فيها حالياً. طارق الخضيري: سابقاً أستاذ ومعاون عميد كلية الهندسة في جامعة بغداد، ثم الرئيس الأسبق للبرنامج العربي في منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية، يقيم حالياً في البرتغال.