في الشعوب التي تحتفل بمزاجها، وتعلي من قدر المزاج والفرفشة، تتحول المناسبات الدينية الخطيرة الى احتفالات شعبية هائلة، أو تتحول إلى موسم لا علاقة له بالموسم الاصلي. مثال ذلك شهر رمضان. ان شهر رمضان هو الشهر الذي انزل فيه القرآن، وهو الشهر الذي صدر فيه الامر الى المسلمين بصيامه وقيامه، وهو شهر تضاعف فيه الحسنات، وتنزل فيه الرحمات، وتغفر فيه الذنوب والسيئات، وهو الشهر الذي يذكرنا بالملأ الاعلى. في هذا الشهر، نزل الروح الأمين جبريل على قلب الرسول وهو يحمل القرآن، وعلى امتداد 23 عاماً هي فترة النبوة بعد الأربعين، كان جبريل عليه السلام يتنزل بالقرآن على الرسول. المفروض إذاً - في تصوري - ان يكون الاحتفال بالشهر مناسباً للأحداث التي وقعت فيه. وهي أحداث جليلة كان أهمها نزول الوحي. ايضاً نلاحظ ان في هذا الشهر الكريم ليلة هي خير من ألف شهر، هي ليلة القدر. وهي ليلة تحدث عنها الرسول، وأبان فضلها عند الله وعند الناس، ان العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، وقد وعد الرسول من يصوم نهارها ويقيم ليلها ان يغفر الله ذنوبه. وبسبب خطورة الليلة وبركاتها اخفاها الله في شهر رمضان كله، وان رجح العلماء بناء على احاديث الرسول انها في العشر الاواخر من الشهر. كيف نحتفل بشهر رمضان؟ ونحن اطفال، كنا نعرف باقتراب شهر رمضان من الفوانيس الملونة التي تظهر فجأة ولا نعرف من اين جاءت. ان الفوانيس تقليد شعبي يسود في شهر رمضان، ويحييه الاطفال. ولكن احداً لا يقول للاطفال ان الشمعة التي يشعلونها داخل الفانوس فتنير الدنيا حولهم ليست سوى رمز لهذا الدين الجديد الذي اضاء الدنيا وبدد ظلام الوثنية ورفع الاغلال عن العقل واطلق حرية البحث والاكتشاف. ايضاً نتعرف على شهر رمضان من هذه الاضواء الملونة التي يضعها اصحاب محلات الجوز واللوز والمشمش وقمر الدين والقراصيا والتين والفزدق. ويتميز شهر رمضان في مصر بوجود اطعمة فيه، وصنع اطباق له، لا نراها ولا نأكلها الا في رمضان. وهذا كله جميل ولا اعتراض عليه. انما ينشأ الاعتراض من سلوك كثير من اجهزة الاعلام في رمضان. لا يكاد شهر رمضان يقبل حتى تتغير خريطة التلفزيون في جميع قنواته... وكذلك يحدث في الاذاعات المختلفة، ويبدأ بين القنوات التلفزيونية والمحطات الاذاعية تنافس هائل على تقديم اكبر مجموعة من البرامج والتمثيليات والفوازير والافلام والمسرحيات. ويتحول جهاز الراديو اثناء النهار الى جهاز لا يقاوم، كما يتحول جهاز التلفزيون اثناء الليل إلى شاشة يصعب كثيراً على المرء ان يغادرها ولو لعمل كوب من الشاي او احضار كوب من الماء. لم نتحدث عن نسبة الرقص التي تزيد في الاعلانات والبرامج طوال هذا الشهر. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح هو التالي: هل تعكس اجهزة الاعلام رغبات الناس، ام تقود الناس لما فيه تقدمهم ومصلحتهم؟ للاسف يمكن القول أن أجهزة الاعلام تعكس رغبات الناس ولكنها لا تقودهم. وتلهيهم عن العبادة ولا تشجعهم عليها، وتقدم لهم ما يأكل وقتهم فلا يترك للجانب الروحي الا حيزاً ضيقاً لا يغني ولا يسمن من جوع. ان صلاة التراويح او صلاة القيام لا تستغرق طوال الايام العشرين الاولى من الليل سوى ساعة ونصف الساعة، وفي الايام العشرة الاخيرة تزيد بصلاة التهجد الى ثلاث ساعات. لماذا لا يذيع التلفزيون هذه الصلوات على الناس؟ ان رمضان موسم للعبادة، وليس موسماً للفرجة كما هو حاصل.