حين أعلنت شركة "انتراويست كورب" الكندية اخيراً نيتها انفاق نحو 350 مليون دولار أميركي لتطوير منتجع جبل "ترامبلان" القريب من مدينة مونتريال في مشروع مشترك مع الحكومة الكندية، كشف رئيسها جو حسين طموحات تجاوزت السوقين الكندية وجارتها الاميركية وتطلعت مباشرة الى سوق السياحة العالمية. ووضعت هذه الطموحات شركة انتراويست في منافسة مكشوفة مع صناعة التزلج الاوروبية لكنها لم تكن مجرد آماني اذ على رغم ان خطة الانفاق التي أعلنت تفاصيلها عبر بث حي الى الاوساط الاستثمارية في تورونتو ونيويورك ولندن، استهدفت أساساً اعادة تشكيل منتجع ترامبلان وفق المقاييس العالمية لصناعة التزلج الا انها تضمنت ايضاً عناصر مهمة من الصناعة الترويحية المتعددة الفصول. وشملت الخطة لائحة طويلة من المشاريع: بنية تحتية محدثة ومتكاملة للتزلج الجبلي، اكاديمية وملعبين لتنظيم مسابقات البطولة في لعبة الغولف، مركز لرياضة الفروسية، مسرح صيفي، مركز ترويحي على قمة الجبل، شاطئ وملعب للتنس، سلسلة من الفنادق الكبيرة، اضافات اساسية للقرية السياحية الملحقة بالمنتجع. وليس هذا كل شيء اذ ان خطة الانفاق المشار اليها رفعت فعلياً اجمالي المبالغ الاستثمارية التي ضختها انتراويست وشركائها في هذا المنتجع منذ تملكته سنة 1991 الى زهاء 700 مليون دولار، اما الهدف المعلن للانفاق السخي فهو اجتذاب نحو مليوني زائر سنوياً بعد استكمال كل المشاريع التطويرية بحلول سنة 2002. ويتمتع ترامبلان بمكانة مرموقة حتى قبل استكمال مشاريع صنفته مجلة "سكي ماغازين" المنتجع الأول في شرق كنداوالولاياتالمتحدة للعام الجاري لكنه في الوقت نفسه واحد من تسعة منتجعات ضخمة تملكتها انتراويست وارتقت بها الى قمة صناعة التزلج في منطقة اميركا الشمالية متخطية زهاء 150 منافساً خلال بضع سنين. اثارة والأكثر اثارة ان انتراويست التي بدأت شركة عقارية متواضعة في مدينة فانكوفر هي في حد ذاتها قصة نجاح متميزة لرجل اعمال يتحدر من أصل لبناني. وهذا هو رأي مؤسسات عريقة مثل "اميركان اكسبرس" وغالبية الدوريات المتخصصة بصناعة التزلج، وهو ايضاً رأي تيف حسين الذي على رغم صلة القرابة قال بلا مجاملة ان اسباب النجاح الذي حققه جو تعود الى "الفرصة النادرة التي قدمتها مدينة فانكوفر للشركات العقارية"، لكنه أضاف في مقابلة مع "الحياة" "نحن فخورون به جداً، فخورون بما فعله وفخورون بتراثنا اللبناني". ويخفي الانجاز الكبير بداية مثيرة تعود الى منتصف السبعينات. بعد تخرجه من جامعة بريتش كولومبيا بتخصص ادارة الاعمال عمل جو في بيع ناسخات "زيروكس" فترة ثم عقد اتفاق شراكة مع ابن عمه محمد فارس الذي نجح في اقناع عدد من المستثمرين الكويتيين بالمساهمة في تمويل مشاريع عقارية في مدينة فانكوفر على ان يقوم الشريكان بادارتها. وأختار جو ومحمد الوقت والمكان المناسبين للاستفادة من طفرة اقتصادية شهدتها هذه المدينة الجميلة في النصف الثاني من السبعينات والجزء الأكبر من عقد الثمانينات لاسيما في اثر تدفق عشرات الآلاف من مواطني هونغ كونغ كمهاجرين اثرياء الى فانكوفر، المركز التجاري والاقتصادي الرئيسي في مقاطعة بريتش كولومبيا. وحققت الشراكة أهدافها في وقت مبكر، ولخص تيف واقعة انفراط عقدها فقال: "استمر محمد وجو في ادارة المشاريع العقارية الى ان تمكن كل منهما من الوقوف على قدميه وعندها ذهب كل واحد في طريقه". وعلى رغم بقائهما في المجال العقاري الا ان "جو" كان فيما يبدو مستعداً للخروج من الاطار التقليدي لصناعة العقار ومعه شركته الخاصة انتراويست. ومع توافر ما وصفته مجلة "سكي ماغازين" ب "الادارة الذكية" طورت انتراويست اعمالها سريعاً وتوسعت في اتجاه العمارات السكنية والمكاتب والمجمعات التجارية الكبيرة وافتتحت مكاتب فرعية في كالغاري كندا وكل من سياتل وسان دييغو في الولاياتالمتحدة فضلاً عن مدينة فانكوفر التي لازالت مقرها الرئيسي. ولم تكن هذه الفترة المبكرة بلا تحديات خصوصاً موجة الركود الحادة التي واجهتها غالبية الشركات العقارية في نهاية الثمانينات، سوى ان انتراويست عملت على التقليل من حجم المخاطر بانتهاج استراتيجية مسالمة تعتمد عقد الشراكات وتفضيل المشاريع المشتركة ولا تجد نفسها في أي وقت من الأوقات وحيدة في عالم غير مألوف. المدير المالي وقال دانيال غارفس المدير المالي للشركة ان هدف هذه الاستراتيجية كان الحؤول دون تراكم الديون، وفعلياً وضعت انتراويست لنفسها سقفاً ملزماً بحيث لا تتجاوز نسبة التزاماتها الى اصولها اكثر من واحد ونصف الى واحد في حين شهدت صناعة العقار حينئذ نسب بالغة الخطورة راوحت بين اثنين وثلاثة الى واحد. وتدخل استراتيجية المديونية في اطار "الادارة الذكية" التي أشارت اليها "سكي ماغازين" اذ انها سمحت لانتراويست بتحقيق الأرباح في وقت كثرت فيه اخفاقات صناعة العقار في كنداوالولاياتالمتحدة، والأهم من ذلك انها مكنتها من اتخاذ القرار الجريء الذي وضعها في بداية الطريق الى الشهرة: الانفتاح على صناعة التزلج. وربما بدا القرار الذي اتخذه "جو" سنة 1986 مجرد محاولة لاقتناص فرصة نادرة لتملك واحد من اجمل منتجعات التزلج في كندا وأميركا، لكن صناعة التزلج التي تشمل نحو 150 شركة وزهاء 750 منتجعاً في كلا البلدين، لم تكن حينئذ مغرية للاستثمار، أقله بسبب اخفاق غالبية منتجعاتها في تحقيق الأرباح. والملفت ان هذه الفرصة النادرة لم تسنح لانتراويست الا حين قررت شركة "فوكس القرن العشرين" بيع حصتها 50$ في منتجع "بلاكومب" الواقع شمال مقاطعة بريتش كولومبيا. لكن تملك "بلاكومب"، الذي استكمله جو بشراء الحصة الباقية في وقت لاحق، لم يكن مجرد قرار جريء اذ كان صاحبه يمتلك التوليفة المناسبة وربما الوحيدة القادرة على جعل مشاريع التزلج عملية مربحة. ويعترف المهتمون بصناعة التزلج في المنطقة ان انتراويست كانت أول شركة كندية تدرك العلاقة الرابحة بين منشآت التزلج والمشاريع العقارية. اختزال المتعة ويرى جو الأمر بمنظار المستهلك ورجل الاعمال في وقت واحد اذ يعتقد انه "لا أحد يريد ممارسة التزلج في المرآب" أو اختزال متعته الى بضع ساعات يقضيها على المنحدرات، ويؤكد في الوقت نفسه ان قدرة منتجعات التزلج على تحقيق الأرباح ربما توقفت في المحصلة النهائية على توافر الفرصة لاقامة المشاريع العقارية عند سفوحها. وتذكّر هذه الرؤية بالتقاليد العريقة لصناعة التزلج الاوروبية لكن نجاحها في كنداوالولاياتالمتحدة يحتاج الى توليفة خاصة من الخبرات. ويؤكد جو ان "انتراويست هي الشركة الكندية الوحيدة التي تمتلك قدراً متساوياً من الخبرة في مجالي تطوير المشاريع العقارية وادارة منشآت التزلج" أو ما وصفه ب "العمليات الجبلية". وترجمت انتراويست رؤيتها الى استراتيجية دينامية تقوم من جهة المبدأ على تحويل منتجعات التزلج الى قرى سياحية قادرة على الاستجابة لمتطلبات ورغبات المستهلك على مدار السنة لكنها تشمل في الوقت نفسه انشاء الفلل والوحدات السكنية وتسويقها لدى المستهلكين الميسورين الراغبين في الاستزادة من متع العيش في المنتجعات الجبلية. ولقيت هذه الاستراتيجية استحساناً ملحوظاً من جانب المهتمين بصناعة التزلج لأنها تشكل حلقة كاملة قادرة على التمويل الذاتي، أقله في المدى البعيد، اذ ان المتزلجين سيجذبهم الجبل الجيد اما القرى السياحية تغريهم بالمبيت فيها وتملك الفلل مما يساهم في ازدياد حيوية المنتجع وبالتالي اجتذاب اعداد جديدة من المستهلكين ولا يبقى على الشركة المالكة سوى استثمار عوائدها لاغراض التوسع. وبدأت انتراويست تنفيذ استراتيجيتها في منتجع بلاكومب وشجعتها النتائج على التحول الى شركة ذات ملكية عامة سنة 1990 ثم الانخراط في واحدة من اكثر عمليات التوسع حيوية في صناعة التزلج فباتت اليوم تمتلك وتدير تسعة منتجعات رئيسية في كنداوالولاياتالمتحدة من بينها "ويسلر" في مقاطعة بريتش كولومبيا و"كوبر" في كولورادو و"ستراتون" في فيرمونت و"ماموث" 51$ في كاليفورنيا. وعن النتائج المالية لخطط التوسع أشار "غارفس" الى ان انتراويست احرزت في السنين الخمس الماضية "تقدماً هائلاً" في بناء مشاريعها اذ بلغ متوسط نسبة الزيادة المركبة المحققة لها في أرباح العمليات الجارية نحو 56 في المئة لتصل في السنة المالية المنتهية في 30 حزيران يونيو الماضي الى نحو 21 مليون دولار فيما بلغ مقدار الدخل في السنة المذكورة 285 مليون دولار. ويمنح اجمالي الدخل انتراويست المركز الأول في صناعة التزلج الكندية والمركز الثاني في منطقة اميركا الشمالية مما يشير الى مدى مساهمة خطط التمدد في دعم موقعها، اذ استقبلت منتجعاتها في السنة المشار اليها نحو 2.5 مليون زائر، اي ما نسبته 7 في المئة من اجمالي سوق التزلج المشتركة لكنداوالولاياتالمتحدة المقدرة بنحو 75 مليون متزلج. اما التخصص المميز لانتراويست، أي النشاط العقاري - الترويحي، فبلغت مساهمته نحو 30 في المئة 85 مليون دولار من اجمالي الدخل، وشهدت السنة المالية المذكورة وحدها اعلان خطة لانشاء قرية سياحية في منطقة "سكوا فالي" في كاليفورنيا بكلفة 180 مليون دولار فضلاً عن البدء بتنفيذ 10 مشاريع عقارية لبناء الفلل والوحدات السياحية في كنداوالولاياتالمتحدة. وبلغت أرباح النشاط العقاري في الفترة المشار اليها نحو 16 مليون دولار مسجلة زيادة بنسبة 42 في المئة عن السنة السابقة، وتعادل هذه النسبة سبعة اضعاف نسبة الزيادة المحققة في الدخل، وهو تطور ارجعته انتراويست الى ارتفاع الاسعار وتحسن الربحية في المشاريع المقامة في منتجعي بلاكومب وترامبلان. اهتمام وتقول انتراويست انها ستركز اهتمامها في الشهور المقبلة على تدعيم موقعها في السوقين الكندية والاميركية لكنها لا تخفي طموحها في التمدد خارج منطقة أميركا الشمالية خصوصاً أوروبا التي تقدر حجم سوق التزلج فيها بنحو 250 مليون متزلج سنوياً. وثمة مؤشرات تدل على ان انتراويست ربما لا تكون بعيدة عن طموحها اذ توقعت المؤسسة الاستثمارية الاميركية "روبرتسون ستيفنز اند كومباني" في بيان صحافي اصدرته اخيراً ان تحقق الشركة المذكورة من مشاريع العقارية والترويحية القائمة نسبة نمو سنوية لا تقل عن 25 في المئة في السنين الثلاث الى الخمس المقبلة. ويعترف المسؤولون في انتراويست ان احد اهم الاسباب التي تقف خلف النجاحات المحققة لهذه الشركة هو ما يتمتع به جو من "رؤية صائبة"، اما "جو" 49 سنة الذي يحتفظ ايضاً بمنصبي رئيس مجلس الادارة والمدير التنفيذي فيفضل الاشارة الى "الطاقم الاداري الموهوب والادارة الواضحة".