يخترق «برج خليفة» بأمتاره ال 828 السحاب، راسماً لدبي مشهداً جديداً مكمّلاً لبانوراما الأبراج والمباني العملاقة في هذه المدينة الكوزموبوليتية. ولعل هذا المبنى العملاق «المعلم» هو تجسيد لتحدي الأزمات وإطلاق المبادرات التي درجت عليها الإمارة. وهي بدت مصرّة على الاستمرار في النهج عينه على رغم الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها، مؤكدة عزمها على تجاوزها. خلال شباط (فبراير) عاشت دبي التي تجمع العمل والمتعة في مكان واحد، مهرجانها ال15 للتسوق، مناسبة احتفالية اقتصادية تحفيزية مثيرة. إنها السياحة عبر التسوق، على غرار ما هي عليه عبر الدورات الرياضية والمهرجانات الفنية والمؤتمرات والمعارض، وباعتبار أن مهرجان التسوق يجمع من كل ذلك ويزيد. وتؤكد ليلى سهيل المدير التنفيذي لمؤسسة دبي للفعاليات والترويج التجاري (مكتب مهرجان دبي للتسوق سابقاً) أن المهرجان أثبت في دوراته السابقة أنه من أنجح الأحداث الترويجية والترفيهية التي شهدتها المنطقة في تاريخها الحديث. وقد احتضنت الدورة الأخيرة أكثر من 150 نشاطاً محلياً وعالمياً تضمنت حفلات غنائية ومعارض فنية وتراثية. وشارك في «واحة» التسوق والترفيه أكثر من 6 آلاف محل بيع بالتجزئة و50 مركزاً للتسوق قدمت حسومات حتى نسبة 75 في المئة، فضلاً عن فرص ربح مذهلة بقيمة نصف مليون درهم. والقائمون على المهرجان ابدوا ارتياحهم لتطوره ونتائجه في منتصف دورته الأخيرة، استناداً أولاً إلى النتائج السابقة ومن منطلق أن الأرقام تتكلم، فقد استقطبت النسخة ال14 حوالي 3.35 مليون زائر أنفقوا 9.8 بليون درهم (نحو 2.73 بليون دولار)، ما رفع عدد الزوار منذ الدورة الأولى عام 1996 إلى أكثر من 36 مليون زائر. مهرجان دبي للتسوق مرادف للتسوق العائلي الأكثر استمرارية في العالم، يجعل هذه الإمارة المتجددة دائماً محور الترفيه والسياحة، خصوصاً أنه يستند في شموليته المميزة إلى عناصر ثلاثة هي: التسوق، الترفيه العائلي، الجوائز والربح. ويوضح المنسق العام للمهرجان إبراهيم الصالح ل «الحياة» أن هذه المناسبة حافظت على وتيرة مريحة من النمو ولم تنعكس كثيراً عليها الأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي «لم نسجل انتكاسة أو هبوطاً حاداً في حجم الإنفاق والأنشطة وعدد الزوار بل نمواً مضطرداً». ويلفت صالح إلى أن المهرجانات فصلت «لمثل هذه الأزمات، فهي منصة للتفاعل بين قطاع التجزئة والمتسوقين، والهدف الأساس المحافظة على الأجواء الاحتفالية وإشراك أكبر عدد ممكن من المقيمين والزوار فيها». روّج المهرجان منذ سنته الأولى لفكرة «ذكية» قوامها «عالم واحد... عائلة واحدة»، متخطياً بذلك اهتمامات فئة محددة من المجتمع شاملاً شرائحها كلها. ويعتبر المنظمون أن الأزمة الاقتصادية العالمية حفزت فيهم روح التحدي «لتقديم الأفضل وإطلاق مبادرات جديدة». في السابق، غلب عند كثر الاعتقاد بأن زيارة دبي مكلفة والأسعار غالية، غير أن تداعيات الأزمة العالمية أفضت إلى صيغ ترويج ومعادلات أسعار جديدة بعد الخفوضات على أسعار الخدمات عموماً والعروض المصاحبة، ما انعكس إيجاباً على الإقبال والحجوزات الفندقية خصوصاً في ظل اختراق أسواق جديدة موسماً بعد آخر، وبالتعاون مع مختلف الدوائر الحكومية والخاصة المعنية، وشركة طيران الإمارات التي تقصد طائراتها 105 وجهات. والتوجه الجديد في استقطاب السياح ينشط في أسواق الصين الأكثر نمواً اقتصادياً واليابان والهند. زيارة دبي خلال شهر التسوق قادتنا إلى أماكن مألوفة تشكّل محطات راسخة في المهرجان، لعلها إطلالة سياحية مختلفة لا تعرّج على القلاع والقصور والمتاحف و «البر الصحراوي»، بل تحفظ من عبق المدينة أماكن يعود تاريخها إلى أكثر من 140 سنة مثل منطقة البستكية. وتدخل عمق مناطق وشوارع تحتفي بروادها ليل نهار، شقت الحداثة فيها طريقاً فسيحاً واخترقتها خطوط المترو وأزهرت في جنباتها مجمعات تجارية، هي مدن قائمة بذاتها ومنتجعات وفنادق فخمة ومرافق تسلية... قد يضع بعضهم المهرجان في خانة السياحة الاستهلاكية كونه قائماً على التسوّق والعروض وحوافز الحسومات والربح والجوائز، علماً أن موازنته التنظيمية تقدّر ب65 مليون درهم لتحفيز كل ما تقدّم وتطويره، لكن المرافق الأخرى المستفيدة من هذه المناسبة السنوية والمعطوفة على مناسبات أخرى مثل «مفاجآت صيف دبي» تجعل الإمارة ورشة سياحية دائمة على غرار تحدياتها الاقتصادية والعمرانية التي تنشد دائماً الأرقام القياسية صوبت نحو الأعلى والأكبر والأضخم، ولو بدت أخيراً أكثر عقلانية. أن تمضي أياماً ثلاثة في دبي وسط صخب المهرجان، لا بدّ من أن تلهث لزيارة أماكن سبق أن قصدت بعضها، أو مناطق تبدلّت معالمها جذرياً في غضون سنوات قليلة. وتقف شاهداً أمام مرافق عرفتها من خلال الكلمة والصورة فقط. تحاول أن تسرّع خطاك في ممشى الشاطئ في منطقة جميرا بيتش لكن من دون جدوى. المكان مزدحم في هذه السوق المفتوحة حيث المباني الفخمة والأبراج الفنادق والمطاعم ودور أزياء راقية وأكشاك ممتدة على مسافة 1700 متر. و «شانزليزيه دبي» نهض في غضون أقل من أربعة أعوام فبات مقصداً للاستجمام والتسوق (305 محلات تجارية) والسياحة. أطلق الممشى في آب (أغسطس) 2008، واستوحيت تصاميمه من مفهوم التسوق في الأماكن المفتوحة حيث يجمع بين المساحات الخضراء الواسعة، وأماكن لعب الأطفال والنوافير والساحات المفتوحة. ويعرّف «جميرا بيتش ريزدنس» بأنه أكبر مشروع تطوير عقاري سكني في العالم يضم 36 برجاً سكنياً و4 فنادق راقية و4 نوادٍ شاطئية، ويتمتع بأسلوب عمراني متفرّد يجمع بين التصاميم المعمارية لبلدان حوض البحر المتوسط وتلك المحلية، التي تتكامل بدورها مع المساحات الخضراء والمناطق الواسعة والآمنة للعب الأطفال والمسطحات المائية... وتزخر مراكز التسوّق بأماكن للترفيه والتثقيف تثير اهتمام العائلة وتسهم في لفت انتباه أفرادها. ويمتد المشروع على مساحة إجمالية تصل إلى 5.9 مليون قدم مربعة، مجهزة لتقديم أفضل عروض التسوق والترفيه، هناك اختلطت الحداثة وصيحات الموضة بالتراث والمشغولات اليدوية وعبق الماضي. «أطلس مائي» وفي «دبي مول» أكواريوم وحديقة حيوانات مائية. وهو أحد أكبر الأحواض في العالم، يتميز بموقعه الاستراتيجي في قلب المركز. ويعتبر الحوض من الأكبر في العالم ويصل طول خزانه الرئيس إلى 51 متراً وعرضه 20 متراً وارتفاعه 11 متراً. كما يضم أكبر واجهة «أكرليك» في العالم، وأكبر منصة للمراقبة (طولها 32.88م وارتفاعها 8.3م). وتصل كمية المياه فيه إلى نحو 10 ملايين ليتر. ويحتضن «دبي أكواريوم» أكثر من 33 ألفاً من الكائنات البحرية المتنوعة التي تنتمي إلى أكثر من 220 فصيلة منها أسماك القرش والراي. تدخل ممر الأكواريوم الممتد بطول 48 متراً على عمق 11 متراً تحت سطح الماء، فتكاد تلمس تلك الأسماك الفريدة. وفي الطابق العلوي، يمكنك التجوال بين 36 منصة مستعرضاً مختلف أنماط الحياة البحرية والنهرية (بيئة الأمازون)، ومنها كلب البحر والفقمة والبطاريق والتماسيح والسرطان العنكبوتي والفئران المائية وسمك القط والضفادع المائية السامة وسمك البيرجان... تتوقف لتقرأ الشروحات الغنية بالمعلومات وتختبر عن كسب حياة غريبة لكائنات جمعت في مكان واحد. وتروي الحديقة قصة قطرة ماء تسقط من السماء إلى الغابات المطيرة، وتصطدم بالشاطئ الصخري، قبل أن تصبّ في المحيط. وبالتالي، يشكل «أكواريوم دبي» وحديقة الحيوانات المائية أطلساً مائياً يثير فضول الكبير قبل الصغير، ويطلع عن كثب على مختلف النظم البيئية المائية. وغير بعيد من الموقع الفريد، حلبة دبي للتزلج على الجليد (في الطابق الأرضي من المول بجوار سوق الذهب) والتي يمكن تحويلها إلى مكان متعدد الأغراض واستضافة حوالى 2000 شخص. ويشغل الحلبة بمقاساتها الأولمبية (60 م طولاً و30 م عرضاً) متزلجون يستمتعون برياضتهم ويتفاعلون معها، وآخرون يكتشفونها ويتعلمون مبادئها. منحدرات ألبية ونبقى في أجواء الماء والصقيع، والدعوة لاكتشاف منحدرات التزلج الألبية في قلب الخليج العربي. إنه «سكي دبي» في «مول الإمارات»، أكبر مركز للتسوق خارج أميركا الشمالية (طابقان مساحتهما 223 ألف متر مربع، مشغولان ب400 متجر ومركز ماجيك بلانيت للترفيه العائلي، وأكبر «هايبر ماركت»، ومجمّع سينمائي يضم 14 صالة، ومسرح دبي الاجتماعي ومركز الفنون وصالات عرض و65 مقهى ومطعماً وفندق كيمبنسكي). تدخل «الواحة الألبية» في المجمّع. يرتفع المكان بعلو 25 طابقاً (85م) وعرضه 80 م، الحرارة جليدية ولا بدّ من ارتداء معطف واق وانتعال حذاء لا تتسرّب اليه المياه، أو التزود باللباس الخاص بالتزلج إذا أردت التزحلق. ويضم سكي دبي خمسة مدارج متباينة الصعوبة والارتفاع والانحدار. ويمكنك اختبار مهاراتك على أول منحدر متقدّم داخلي في العالم، الذي يدعى «المنحدر السود»، أو يمكنك زيادة خبرتك على منحدرات المبتدئين المعتدلة. كما يستطيع المتزلجون والمتزحلقون، كثر منهم أميركيون وأوروبيون من رواد المنتجع وجدوا في ثلج دبي الاصطناعي ضالتهم، القيام بحركاتهم المفضلة على الأنبوبة الاسطوانية «كوارتر بايب» البالغ طولها 60 متراً في منطقة «رايدرز أليه» (ممر الركاب المتسلقين)، أو في منطقة التزلج الحر. ومن اللحظة الأولى التي تنطلق فيها نزولاً على المنحدر الخاص بالمبتدئين، وإلى أن تتمكن من خوض غمار المستويات المختلفة، ستشعر حتماً بأنك جزء أساسي من كل ما يجري هناك، والتمتع إلى أقصى الحدود بكل هذه الرياضات الشتوية الرائعة. وفي «سكي دبي» حديقة ثلجية مساحتها 3 آلاف متر مربع تكسوها الثلوج الطبيعية. وتتوافر فيها ممرات جليدية مزدوجة وبهو للعب بالكرات الثلجية، وكهف ثلجي (ايغلو) مملوء بالمغامرات الشيقة والمشاهد الرائعة المصحوبة بالأصوات. وتقودكم «قافلة» المغامرات إلى برج لمراقبة كل ما يجري في هذا المكان. كما يستطيع أفراد العائلة والأصدقاء التمتع ب «بناء» رجل الثلج أو اللعب بالكرات الثلجية أو على التلال المكسوة ب «الأبيض الناصع». كما توفر الجهة المشغلة خدمات مدرسة التزلج. وتتوزع الحصص بين مجموعات تضم البالغين أو الصغار، وكذلك بين مستويات المهارات المختلفة. ولعل ما يميز هذه المنحدرات، وجود آمنة مالك أول مدرّبة تزلج إماراتية. وقد انضمت إلى فريق العمل عام 2005، وحصلت على التشجيع لتأخذ أول دروسها في التزلج كجزء من برنامج التطوير، ثم التحقت بالدروس الخاصة المتقدمة. وسنحت لها الفرصة لاحقاً للالتحاق ببرنامج تدريب مدربي تزلج نظمته أكاديمية الرياضات الثلجية النمسوية، وحصلت بموجبه على شهادة مدرّب. روائع يدوية إنها واحة السجاد في مركز المعارض في مطار دبي، ألوان ومنمنمات ورسوم تفتن النظر. حياكة تعلّم الصبر والدقة، فبعض القطع يتطلّب سنتين من العمل الدؤوب، لتخرج من بين يدي فنانيها لوحة تشكيلية رائعة. يضم المكان الرحب الذي يستقبل أيضاً معرض الطيران ومعرض الإلكترونيات، 150 ألف سجادة قيمتها الإجمالية نحو بليوني درهم، وعروضاً حرفية. وتنظّم هذه الفعالية إدارة جمارك دبي، وهي مناسبة للتعرّف على تاريخ صناعة السجاد والقيمة الثقافية لهذه الأعمال، فيتحوّل المكان إلى متحف للفنون، يجمع العارضين (من إيران وباكستان وأفغانستان...) والمهتمين والمشترين تحت سقف واحد (112 ألف قدم مربعة). وقد تجاوزت مبيعات المهرجان الأخير 52 مليون درهم. واحتضنت «القرية العالمية» أجنحة من 45 بلداً، متوقعة حضور 4.5 مليون زائر، لمتابعة مهرجانات عدة تحت مظلة واحدة في أجواء مفتوحة. مواسم من أسواق العالم وسهر وفقرات فنية على مساحة 8 ملايين قدم مربعة. وزيدت منطقة الترفيه بنسبة 30 في المئة وأضيفت ألعاب جديدة وديكورات تجسّد حضارات عدة. وازدحم الزوار في كل أمسية لمتابعة الألعاب النارية والعروض الجريئة والبهلوانية والمسرحية. وبعد السير الطويل بين أروقة الأجنحة وأكشاكها، يمكنك اختراق القرية عبر القناة المائية على متن عبّارات قديمة وكأنك في قنوات مدينة البندقية الإيطالية. وتفتح القرية العالمية أبوابها في مناسبات أخرى أيضاً مثل العيد الوطني أو عيد الأضحى. قدرة استيعاب الحركة الكبيرة في دبي تنعكس على قدرة الاستيعاب ومرونتها في مطارها الدولي، علماً أن اكتمال مطار آل مكتوم في السنوات المقبلة، سيمنح الإمارة ميزة استقبال 100 مليون راكب ترانزيت إضافي. وسجل مطار دبي الدولي نمواً نسبته 9.2 في المئة في عدد المسافرين خلال العام الماضي، محققاً 40 مليوناً و901 ألف مسافر (37 مليوناً و441 الفاً عام 2008). كما سجل نمواً في حركة الشحن بنسبة 5.6 في المئة. فاحتل المرتبة الأولى ضمن قائمة أسرع مطارات العالم نمواً بأعداد المسافرين الدوليين. وتتوقع إدارة مطارات دبي أن يبلغ عدد المسافرين 46 مليوناً في نهاية العام الحالي (زيادة 13.6 في المئة). وجاء هذا النمو مدفوعاً بمعطيات محلية ودولية، أبرزها استضافة مدينة دبي أحداثاً ومعارض ومهرجانات، والعودة التدريجية لتحسّن الاقتصاد والتوسع الضخم في حركة «طيران الإمارات»، وذلك على رغم حال التباطؤ التي تشهدها حركة النقل الجوي عالمياً. ومن ضمن ميزات تطبيق سياسة الأجواء المفتوحة التي عززت التنافس بين شركات الطيران والبنى التحتية المتطورة وعناصر الجذب السياحي المتعددة. تستخدم المطار 130 شركة طيران دولية تسيّر منه رحلات ربط على أكثر من 220 عاصمة ووجهة. وتبلغ طاقة مطار دبي الاستيعابية حيث مبانيه الثلاثة العملاقة (يقع على مساحة 10.4 كلم مربع)، 60 مليون مسافر سنوياً، وسترتفع إلى 75 مليوناً مع إنجاز مبنى «كونكورس 3» المخصص للتعامل مع طائرات «إيرباص أ 380» ووضعه في الخدمة في نهاية 2011. وإذا كان قطاع المواصلات والطيران يشكّل 25 في المئة من ناتج دبي، فإن شركة طيران الإمارات منذ تأسيسها عام 1985، أخذت على عاتقها بلورة دور هذه الإمارة عاكسة نجاحها واتساعها، فباتت تحلّق إلى 105 محطات في 63 بلداً، ويضم أسطولها 137 طائرة ركاب و8 طائرات شحن قيمتها 49 بليون دولار. وبلغت أرباحها الصافية في السنة المالية الأخيرة 268 مليون دولار، ونقلت 22.7 مليون راكب.