على "الريوق" الافطار أو مائدة الغداء أو العشاء يتحدث الجالسون عن الحيتان والأسماك الكبيرة، مبدين تعليقاتهم من دون تحفظ. البعض يتحدث عن "اليرايير" جمع جرجور أو "يريور" كما يلفظ باللهجة الكويتية، وهو الاسم الذي يطلق محلياً على أسماك القرش الصغيرة الحجم والسن، والبعض الآخر يتحدث عن "الهوامير"، وهي أسماك من نوع راقٍ كبير الحجم. الأمر يتكرر في كل المناسبات الاجتماعية وفي كل مرة يجتمع فيها رواد الديوانيات، وهي عبارة عن نوادٍ عائلية خاصة بالذكور يفوق عددها 500 ديوانية في انحاء الكويت، وهو ليس دليلاً على اهتمام الكويتيين بالسمك وحيوانات البحر والمأكولات المعدة منها أو دليلاً على قلقهم من قرار منع استيراد الأسماك وثمار البحر الإيرانية بسبب شكوك حول إصابتها بجرثومة الكوليرا ، ولكنه جزء من اهتمامهم بما يجري في البورصة. ويعتبر الاستثمار في البورصة عملية أكثر جدوى من شراء أسهم في شركات ومؤسسات اقتصادية تقوم بتوزيع عائد الأرباح على كل سهم أو ترحيله من موازنة لأخرى من دون ان يتمتع المستثمر بامكان التصرف بأمواله وأرباحه تلقائياً. وبلغ متوسط العائد على أسهم الشركات ال 63 المدرجة في بورصة الكويت خلال 1996 نحو 5،34 في المئة، وهي لا شك نسبة تزيد على معدلات الأرباح المحققة في الأنشطة الاقتصادية الأخرى، إلا أن الأرباح التي يمكن للمستثمر أن يحققها من خلال المضاربة في البورصة والمتاجرة بالأسهم تبقى أكثر ارتفاعاً، لا سيما بالنسبة إلى أولئك الذين يستطيعون قراءة أوضاع الشركات بوضوح ودراسة أدائها ومعرفة تفاصيل عن القرارات والأرباح التي ستعلن عنها. ويقول السيد مروي الخالدي، وهو رجل أعمال كويتي شاب يستثمر في البورصة، ان مديري الشركات المدرجة في البورصة وأعضاء مجالس إداراتها، أكثر شهرة من نجوم الرياضة. ويحاول الجميع، حينما يطرح اسم شركة ما، إظهار معلوماته ومهارته في استقصاء الأخبار عن أحوال هذه المؤسسة مفضياً للذين من حوله بآخر ما حصل عليه من تفاصيل جديدة. وينصت الباقون باهتمام وكل يحسب في ذهنه كيف سيستفيد من هذه المعلومات في زيارته المقبلة إلى البورصة. وتواجه الإدارات الحكومية في الكويت، وهي تستوعب نسبة 93 في المئة من العمالة الوطنية، مشكلة كبيرة عجزت عن العثور على حل لها وتتمثل في خروج الموظفين وبعضهم من كبار رؤساء الدوائر في الوزارات من أماكن عملهم، خلال فترة الدوام الرسمي، للتوجه إلى البورصة والمضاربة في أسعار الأسهم. ويدرك الموظفون المخالفون حراجة وضعهم، ويحرصون على عدم الظهور في الصحف والمجلات التي تعرض صور صالة المداولات في بورصة الكويت خشية افتضاح أمرهم واطلاع مسؤوليهم على خروجهم غير المبرر من أماكن العمل لمزاولة أشغالهم الخاصة، علاوة على أن البعض منهم قد يكون مديناً لشركات أو مصارف يأبى تسديد قروضه المستحقة لها بذمته، مما قد يعرضه للافتضاح لو ظهر في صورة وهو يقوم بمضاربات في البورصة. وترن أجهزة الهاتف باستمرار في مكاتب الصحف الكويتية الخمس، حيث لا يتردد رجال الأعمال والمستثمرون عن سؤال محرري الشؤون الاقتصادية عن آخر تطورات السوق وعن نصائحهم لتحقيق أفضل عائد على الأرباح، مع العلم ان أغلب هؤلاء المحررين من جنسيات غير كويتية وخليجية ولا يحق لهم بالتالي الاستثمار في البورصة المحلية، ويكتفون بتقديم النصح المحايد لمحادثيهم. ويشكل تبادل المعلومات "الخاصة" عن وضع هذه الشركة أو تلك، موضوع منادمة اجتماعية تنتهي بتبادل النصائح وتقديم المشورة والاتفاق على البيع والشراء. وإذا حدث ان كان لأحد الجالسين معلومات خاصة حصل عليها فهو يتخذ وضع العالم الفاهم ليقول لصديقه أو محادثه، وقد اغمض عينيه، "اشترِ" أو "بع" أسهم هذه الشركة أو تلك. ويحب الكويتيون التجارة، وهم من هواتها ومتتبعي أخبارها. ولا تقتصر المضاربة في البورصة على الرجال، وإنما تقوم بها سيدات يدرن محافظ استثمارية يقمن بالتصرف بها عبر الوسطاء والسماسرة. وزاد حجم التداول في سوق الكويت للأوراق المالية ليصل إلى 33 بليون سهم ضمن 575 ألف صفقة منذ مطلع 1997 وحتى منتصف الشهر الماضي بقيمة اجمالية تبلغ 3،33 بليون دولار. وتشكل بورصة الكويت 82 في المئة من اجمالي عدد التعاملات في الأسواق والبورصات المالية الأعضاء في اتحاد البورصات العربية، وهي نسبة تنخفض إلى 54 في المئة إذا احتسبت معها بورصتا السعودية وسلطنة عُمان اللتان لم تنضما إلى الاتحاد بعد. وتصل قيمة الشركات وصناديق الاستثمار المدرجة في بورصة الكويت إلى نحو 20 في المئة من اجمالي قيمة الأسواق المالية العربية مجتمعة. وتسمح مقارنة هذين المؤشرين بإدراك حجم الحيوية التي تتمتع بها السوق الكويتية. وساهمت عمليات التخصيص التي قامت بها الحكومة عقب التحرير في رفع حجم التداول في البورصة وزيادة سخونتها. وشارك أكثر من 670 ألف مكتتب في عمليات الاكتتاب في 24 شركة باعت الحكومة حصصها فيها ضمن برنامج التخصيص الذي ينتظر أن يشمل في المرحلة المقبلة أكثر من 13 شركة كبيرة أخرى تفوق قيمة أصولها ثلاثة بلايين دولار. وتقوم منازعات قانونية وخلافات شخصية أحياناً سببها تلاعب بعض المكتتبين بالسقف الأعلى المحدد له للاكتتاب عن طريق اقتراض بطاقات هوية معارفه وشراء أسهم باسمهم. وتؤدي حالات وفاة أصحاب البطاقة المستعارة إلى تنازع المكتتب المتلاعب مع الورثة، لا سيما في الحالات التي تكون أسعار الأسهم فيها ارتفعت في شكل ملحوظ. كما أن بوسع صاحب بطاقة الهوية المعارة ان يتراجع عن "إعارته" ويحتفظ بالأسهم بعد تسديد الكلفة الأصلية لصاحب الاستثمار من دون أن يكون في وسع هذا الأخير اللجوء إلى القضاء خشية افتضاح أمره وحرمانه من العمل في البورصة مستقبلاً. ويلجأ كثيرون من صغار المستثمرين أو "اليرايير"، ممن لا يستطيعون تأمين 20 ألف دينار نحو 68 ألف دولار تشكل الحد الأدنى العملي المطلوب للقيام بمضاربات جيدة والتحرك بحرية في البورصة، إلى تشكيل محفظة مشتركة مع أصدقائهم لجمع المبلغ اللازم ومن ثم يقومون بالمضاربة وتقاسم الأرباح والخسائر. أما من يطلق عليهم "الهوامير" و"الحيتان الكبيرة"، فهم قادرون على القيام بعمليات مضاربة وتأمين عروض بيع وشراء تلائم الطلبات المطروحة في البورصة، التي قد تصل إلى ملايين عدة من الأسهم دفعة واحدة، وانتظار تحسن الأجواء لطرح سنداتهم وأوراقهم المالية للبيع، وهو ما يعجز عنه صغار المشترين الذين يسارعون إلى البيع أو الشراء لدى أي تذبذب لمؤشر السوق. وتطبق بورصة الكويت مند 1996 نظاماً آلياً يعد الأحدث من نوعه في الشرق الأوسط، وهو قادر على استيعاب أي زيادة متوقعة في حجم التداول ضمن هوامش الأسعار المختلفة، كما أن نظام التقاص يتيح الفرصة للمتعاملين لتدوير ارصدتهم خلال يوم واحد. وارتفعت القيمة الرأسمالية للشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية في مدى أربعة أعوام ما يعادل 250 في المئة من نحو ثلاثة بلايين دينار إلى ما يزيد عن ثمانية بلايين دينار. ويجري البحث حالياً في إمكان تمديد فترة التداول اليومي، إلا أن المدير العام للبورصة هشام العتيبي يستبعد القيام بذلك في الوقت الراهن، مؤكداً للمتخوفين من تكرار حدوث "أزمة المناخ" الشهيرة بأن هذا الأمر لن يحدث وأن السوق ستبقى متوازنة ومتماسكة على رغم حرارة المضاربة الساخنة فيها. وتستعد البورصة المرتبطة منذ مطلع 1997 بالبورصة في لبنان ومصر للارتباط مع بورصة البحرين بعدما وقعت اتفاقاً معها بهذا الشأن في 26 الشهر الماضي تمهيداً لفتح الأسواق الأربعة معاً. إلا أن وصول المعلومات إلى المستثمرين يبقى محدوداً بدليل ان كثيرين منهم يشترون أسهماً في شركات يظنون أنها ستعرض للتخصيص ليكتشفوا في نهاية المطاف... أن هذه الشركات تابعة بأكملها للقطاع الخاص. وفي وسط هذا الجو المشحون بالإثارة لا يجد المضاربون أكثر من التكهنات والأحاديث عن "الحيتان الكبيرة" و"اليرايير" و"الهوامير" موضوعاً للتسلية، إلا أن الظاهرة الأكثر طرافة في المسألة هو ان التردد على البورصة يؤثر على علاقة الأزواج بنسائهم في الكويت وإلى خناقات بينهم، حيث لا تتردد الزوجات عن انتقاد رجالهن إذا تأخروا في الانفاق على مشترياتهن، والحجة التي يتم استخدامها باستمرار في معرض الانتقاد والشكوى هو ان لدى الزوج أموالاً ينفقها في البورصة وليس لديه ما يكفي لشراء ما تطلبه زوجته. كما أن الكويتيين يلجأون إلى استخدام اسماء "راقصات" في حديثهم إلى سماسرتهم بعدما بات بعض الأسهم يتراقص شمالاً ويميناً وصعوداً وهبوطاً، ويترنح ويجنح في كل اتجاه. لذا لا يعدم ان يسمع المرء لدى جلوسه إلى طاولة المستثمرين من يحدثه عن "فيفي" و"نجوى" و"دينا" والراقصات الشهيرات. ويخطئ المستمع إذا ظن أن الأمر يتعلق بالفن والطرب والرقص الشرقي، لأن جل ما في الأمر هو تتبع حركة السوق والأسهم التي تموج فيها في كل اتجاه لتصب أولاً وآخراً في جيوب المضاربين من يرايير وهوامير وهواة. إنها ظاهرة الثروة الساخنة التي تتغير قيمتها كل ساعة، ولا يستطيع أحد ان يتحدث عنها إلا بالرموز، كما هي حال المدمنين على مراهنات الخيول ومضامير السباق.