المؤلف: عوني عبدالرحيم السبعاوي الناشر: مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية برزت مسألة المياه ببعدها الاستراتيجي منذ أواخر الثمانينات كإحدى مفردات الصراع مع اسرائيل، واحدى مفردات الأزمات العربية مع دول الجوار الجغرافي، ولا سيما تركيا. وتزامن ذلك مع ارتفاع عدد سكان المنطقة، والقفزة التنموية التي شهدتها على الصعيدين الزراعي والصناعي. وكما هو معلوم فإن الطبيعة الجغرافية والجيولوجية في المشرق العربي ودول الجوار الجغرافي، تشكل مورداً مهماً للمياه السطحية والجوفية. ولكن الاهمال وسوء التصرف وغياب التنسيق في البرامج والمشاريع المائية التي تقوم بها دول المنطقة، وقيام تركيا بتنفيذ مشاريعها المائية على نهر الفرات، وتطلع اسرائيل للاستيلاء على موارد مائية اضافية مع استمرارها في النهب المنظم لمياه الضفة الغربية والجولان ونهر الأردنوجنوب لبنان… كل ذلك جعل المنطقة مرشحة للدخول في أزمات وحروب بسبب الاختلاف أو عدم الاتفاق على التصرف المشترك بخصوص المياه. لذا فإن فرضية الدراسة هذه التي اجتهد في اثباتها الباحث الدكتور السبعاوي، ترتكز على منطقتين اساسيين: أولاً: ان السياق الحالي للعلاقات المائية بين الدول المشتركة في حوضي دجلة والفرات، باعتبارهما نهرين دوليين، لا يعكس واقعاً منطقياً وطبيعياً في علاقات الجوار بين تركيا والدولتين العربيتين المجاورتين لها. ثانياً: ان دخول اسرائيل بوصفها عنصراً جديداً في المشروعات المائية التركية يضيق العديد من مجالات العمل المشترك على المستوى الاقليمي في المستقبل، وبالتالي يعرض المنطقة لأزمات جديدة نتيجة للصراع على المياه. ويشير الباحث الى دراسات اجرتها مؤسسات ومنظمات دولية واقليمية وتحدثت عن المياه في المشرق العربي ودول الجوار وأشارت الى المواقع المرشحة لاحداث التوتر والنزاع. ولكنها في الوقت ذاته قدمت مقترحات - حلول للأزمات المتوقعة أو لاستباق حدوثها. ففي مؤتمر اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا اسكوا الذي عقد في دمشق في تشرين الثاني نوفمبر 1989، توقع المحللون بأن المنطقة ستواجه في نهاية القرن العشرين نقصاً سنوياً حاداً مقداره 100 بليون متر مكعب من المياه. اما التقرير الذي صدر في آب اغسطس 1996 عن البنك الدولي، فقد حذر من ان شدة النقص في المياه قد تؤدي الى ظهور حلقة مغلقة من الركود في النمو الاقتصادي والاستثمارات، كما رأى من الأهمية عقد مؤتمر اقليمي لمعالجة أزمة المياه العام 1997. والمعروف ان أولى بوادر ازمة المياه قامت عندما حولت تركيا مجرى نهر الفرات لمدة شهر واحد، في كانون الثاني يناير 1990، وذلك لملء خزان سد أتاتورك، الأمر الذي أدى الى انحباس المياه المتدفقة من هذا الشريان الحيوي عن سورية والعراق. وللتعرف على حجم المشكلة وأبعادها يتطرق الباحث بشكل مركز الى مشروعين من أهم المشاريع المائية التركية التي تقف وراءها اسرائيل وهما: مشروع جنوب شرق الأناضول، ومشروع "أنابيب السلام". ففي حين يرى ان المشروع الأول يخضع لخطة طويلة الأمد لتغيير معالم المنطقة. ويتكون من 13 مشروعاً أساسياً للري وانتاج الكهرباء عن طريق انشاء 22 سداً على النهرين، فإنه يرى في المشروع الثاني تسخيراً للفائض عن الاحتياج من مياه نهري سيحون وجيحون، وبيعه لدول المشرق العربي. ومع ان الأتراك يقدمون مشروعهم هذا بصيغة تركز على الاعتماد المتبادل والتعاون بين دول المنطقة، خصوصاً انه سيكون لكل الدول التي يمر بها خط انابيب "مشروع السلام" الحق المزدوج في شراء مياه الشرب منها. فإن مرور احدى خطي الأنابيب في اسرائيل الغى المشروع الذي تقف وراءه الأخيرة، كما يشير الى ذلك الباحث. وتأكيداً لهذا الواقع ، تحاول الأوساط التركية والاسرائيلية ربط مشروع "أنابيب السلام" بقضية التسوية مع اسرائيل لضمان نجاح واستمرار هذا المشروع التركي الطموح. ومن اجل تحقيق نظام شرق أوسطي تتصدره اسرائيل، وتؤدي تركيا دورها فيه بدعم من الولاياتالمتحدة الأميركية. ونجد ان اسرائيل تتعامل مع المشاريع المائية التركية وفقاً لاعتبارين أساسيين: الأول: الاهتمام المفرط بمشروع "جنوب شرق الأناضول" والاستعداد لتقديم الخبرات والتقنية في مجال تطوير الزراعة ضمن هذا المشروع. الثاني: ضمان استمرارية تزويد تركيا لاسرائيل بپ250 - 440 مليون متر مكعب من المياه عن طريق شركات خاصة عبر استخدام الطريق البحري: ويعني هذا الضمان زيادة الكمية في حال التنفيذ الكامل لمشروع "جنوب شرق الأناضول"، وربط السياقات النهائية لذلك بما قد يتوافر مستقبلاً من عوامل لتنفيذ مشروع "أنابيب السلام" التركية. ومن هنا نستطيع ان نفسر اصرار تركيا على ربط مشروع "أنابيب السلام" باسرائيل، كما نفسر سعي تركيا الى ضرورة تحقيق معادلة المياه والنفط كخطوة تمهيدية ينبغي ان تسود. لا شك في ان واقع الأمر يشير الى ان التأثير الاسرائيلي في المشاريع المائية التركية أضحى واضح المعالم منذ سنوات عدة، أي منذ ان أقحمت اسرائيل نفسها في مشروع الپ"غاب" التركي. وعلى رغم اهمية هذه المشاريع التركية، الا ان هناك صعوبات تواجهها. فإذا كان مشروع "جنوب شرق الأناضول" يواجه صعوبة حقيقية بسبب تكلفته المالية الباهظة بالدرجة الأولى، فإن معوقات مشروع "أنابيب السلام" تتحدد في أكثر من جانب، أهمها: 1 - يعد مشروع "أنابيب السلام" مشروعاً خيالياً بسبب كلفته الباهظة. 2 - على رغم الأهمية الحيوية لمياه الشرب، الا انها لا تصب مباشرة في مجال التنمية الاقتصادية للبلدان المعنية. 3 - الفائدة التي قد يجنيها الطرف العربي من حصوله على مياه الشرب، تبقى مرتبطة - من حيث جدواها الاقتصادي - بتعاقب التطورات التقنية. 4 - يشكك الكثير من الخبراء ومنهم أتراك في الجدوى الاقتصادية لمشروع "أنابيب السلام". 5 - برزت شكوك بشأن مشروع "أنابيب السلام" على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، ما دفع العديد من الأوساط العربية الى وصفه بمشروع "أنابيب الأحلام"، بالنظر الى ما يكتنف تنفيذه من صعوبات أمنية وسياسية واقتصادية.