اظهرت نتيجة آخر احصاء رسمي في جمهورية كرواتيا، تم عام 1991 وأجرته حكومة الرئيس فرانيو توجمان في بداية عهدها لمستلزمات سياسية وعرقية، ان عدد سكان البلاد زهاء 4 ملايين و760 الف نسمة، يشكل الكروات نسبة 77.9 في المئة منهم كانت نسبتهم في احصاء 1981 بحدود 75 والباقي اقليات قومية أكثر من نصفه 12.2 في المئة صرب اي زهاء 581 الف شخص، بينما تفيد تقديرات اواخر العام الماضي ان عددهم لم يعد يتعدى مئة الف صربي غالبيتهم في منطقة سلافونيا الشرقية التي تحاذي صربيا، وتصاعدت موجة نزوح جديدة مع ترتيبات مراحل بسط السيادة الكرواتية. وتفيد متابعات وسائل الاعلام المحلية، ان الصرب الذين نزحوا عن ديارهم في كرواتيا يؤكدون بأن ما اقدموا عليه كان رغماً عن ارادتهم، اما الباقون فيعتبرون النداءات الدولية لتناسي المآسي والاحقاد بسرعة بأنها اشبه بمواعظ لا يمكن التعامل معها في ظل مقتل وفقدان اكثر من 30 الف كرواتي وصربي، وتحول آلاف البيوت الى ركام وأتربة، والاتهامات المتبادلة بخصوص عمليات النهب والاستيلاء على الممتلكات التي عمّت كل اماكن الصراع ونادراً ما يوجد احد ليس طرفاً فيها ظالماً او مظلوماً، ولا يتوانى الصرب عن صب اعتى غضبهم على الرئيس سلوبودان ميلوشيفيتش "الذي دعا الى مقاومة النظام الكرواتي الانفصالي، ثم ما لبث ان سحب جيوشه التي كانت تنفذ اوامره بحماية الصرب، وشرع يختلق الذرائع ويتهم صرب كرواتيا بأنهم تطرفوا وانغمسوا في نزاعات على الغنائم". واستناداً الى المعلومات المتداولة، فان الكثير مما حلّ بصرب كرواتيا من مآسٍ كان نتيجة ترتيبات بين الرئيسين سلوبودان ميلوشيفيتش وفرانيو توجمان، تركزت على جعل الاجواء غير ملائمة لاستمرار بقاء الصرب اولاً في كرايينا التي كان ميلوشيفيتش يعتبر منطقتها الجبلية النائية عبئاً غير مفيد للصرب، ومن ثم في باقي الأراضي الكرواتية، وهو ما حقق هدف توجمان بتطهير كرواتيا من عدد كبير من المنتمين الى الاقليات، وفي الوقت ذاته وفّر لميليوشيفيتش مئات الآلاف من الصرب الانقياء الذين ستكون فائدتهم فائقة سواء سكنوا في صربيا الصرب 66 في المئة او في البوسنة الصرب 33 في المئة لأن هدف صربيا الكبرى وفق المفهوم الذي صار يؤكد عليه ميلوشيفيتش "هو انهاء تبعثر الصرب، والقضاء على الخطر الذي يداهمهم في كل من صربيا ذاتها حيث العدد الكبير للسكان من الاقليات القومية، وفي البوسنة بسبب كثافتهم القليلة قياساً بنصف اراضيها التي اعطيت لهم". وأوضح ميلوشيفيتش ان وجهة نظره تستند على حسابات جديدة تشير الى انه "قد يتمكن الصرب الاحتفاظ بأراضيهم البعيدة في كرواتيا من خلال التضحيات الجسيمة، لكن ذلك سيكون على حساب الدفاع عن مناطق في قلب ديارهم مثل كوسوفو والسنجق التي تتعرض لخطر الانفصال". وتفيد المعلومات المتوافرة ان جميع الصرب الذين نزحوا من كرواتيا يجري توطينهم في كوسوفو والسنجق بصورة دائمة من خلال توفير السكن والعمل والأرض الزراعية لهم اضافة الى السلاح الذي يجعلهم يطمئنون الى سلامتهم، مع اجراءات في الوقت لارغام غير الصرب على مغادرة هذه المناطق. اللافت انهماك وسائل الاعلام هذه الأيام في متابعة محكمة "العدالة الدولية" في لاهاي التي بدأت منذ الاثنين بمقاضاة محافظ فوكوفار كبرى مدن سلافونيا الشرقية السابق سلافكو دوكمانوفيتش الذي لم يكن اصلاً مدرجاً في قوائم المتهمين بارتكاب جرائم حرب وتم نصب شرك له في حزيران يونيو الماضي عندما دعاه الاداري الاميركي لسلافونيا الشرقية للتباحث معه حول افضل السبل التي توفر استمرار بقاء الصرب في المنطقة. لكن بدل الجلوس معه على مائدة المفاوضات تم اعتقاله من قبل وحدة من قوات حفظ السلام الدولية ونقله الى لاهاي، وهو ما تسبب في اشاعة التذمر والخوف بين الصرب وهروب الآلاف منهم الى صربيا خشية ان يحل بهم ما اصاب دوكمانوفيتش غير آبهين بمنشورات الاطمئنان التي وزعها المسؤولون الدوليون بعدم تكرار ما حدث. وبررت القوات الدولية عملها بأن محققي محكمة لاهاي اتهموا دوكمانوفيتش بالاشتراك في تصفية 261 مدنياً معظمهم من الكروات، كانوا في المستشفى عندما سقطت المدينة بأيدي القوات الصربية في تشرين الثاني نوفمبر 1991 لكن المحكمة خفضت تهمته تدريجياً الى 153 ضحية، علماً بأن معارك فوكوفار استمرت ستة اشهر بين صربيا وكرواتيا، وخلفت وراءها نحو عشرة آلاف قتيل، ويبدو ان المحكمة اكتفت بأخذ حق هذا العدد اليسير منهم. من دون شك ان ثُلث الأراضي التي اصبحت الآن تحت ادارة الحكومة الكرواتية، شهدت دماراً ونكبات، وأي ادعاء بامكانية ان تندمل جروحها ويصفح ضحاياها عن بعضهم البعض، هو تجني على الحقيقة، لكن الفريد في الامر ان آثام كل ما حدث، يتحمله، بالعرف الدولي، دوكمانوفيتش الماثل امام المحكمة وأربعة صرب آخرون ملاحقون. اما ميلوشيفيتش وتوجمان اللذان امرا بكل ما حصل، سواء باتفاق او بدونه، فانهما بقيا في ابراجهما المحلية والدولية، من دون ان يتجرأ احد في مجال "عدالة" المجتمع الدولي الى اعتبارهما من مرتكبي جرائم الحرب، باستثناء اقوال فضفاضة هدفها الضغط الذي لا يستهدف بأي حال اقرار حق الذين لحقهم الضيم من الصرب والكروات او الآخرين الذين اصابهم التعسف والتشرد.