يصلي المسلم في القدس صلاة الخوف في المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، بعد ان حوّل الاسرائيليون المدينة القديمة، أي القدس العربية، أو القدس الوحيدة، الى ثكنة عسكرية، فلا يخلو شارع أو زقاق من حاجز أمني، مع دوريات في كل مكان، ومع متدينين يهود أو متطرفين امتهنوا مضايقة المصلين أو إهانتهم أو عرقلة طريقهم. في المقابل يصلي المسلمون في أمن وأمان في الحرمين المكي والنبوي في المملكة العربية السعودية، حيث راحة المسلمين هي دأب الدولة كلها. ومكةالمكرمة، بحرمها الشريف، جميلة دائماً إلا انها في الأيام الرمضانية هذه أجمل. ومع ان ملايين المسلمين يقصدونها للعمرة أو الصلاة في رمضان، إلا ان أعدادهم تظل أقل منها في الحج، كما أنها منتشرة على أيام عديدة وليالٍ طويلة، ما يزيد من مشاعر الهدوء والسكينة لدى المصلين. وتدور كاميرا التلفزيون السعودي، وهي تنقل شعائر الصلاة والتراويح في رحاب مكان واسع مقدس يختلط فيه الكبير والصغير، من بقاع الأرض كلها، وهم يستمعون الى الصوت العذب للشيخين السديس والشريم. وتلتقط الكاميرا لوحات جمالية ونقوشاً جبسية بديعة، فيما ثريات ذهبية تنثر الضوء في أركان الحرم. والمتفرج على التلفزيون من الصين الى الارجنتين يرى مع هذا كله ذلك الرخام الأبيض الذي يطوف عليه الطائفون حول الكعبة، وهو اختيار شخصي لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد الذي أمر بأن تكون ساحات الحرمين الشريفين، وهي تزيد مساحة على نصف مليون متر مربع، من ذلك الرخام الأبيض النادر الوجود، الذي يمتص الحرارة. وإذا كان الاهتمام السعودي بالحرمين الشريفين جزءاً من تركيبة البلد، فإن المسؤول يشعر بأن عمله هذا في خدمة دينه ووطنه تشريف ما بعده تشريف. ويبدو ان العاهل المغربي الملك الحسن أدرك هذه الخصوصية للسعودية فكتب عندما زار عمارة الملك فهد للحرم المدني التي زاد حجمها 2351.93 في المئة قائلاً: "هنيئاً لأخي الملك فهد بن عبدالعزيز على هذه الخطوة التوسعة التي ميزه الله بها". وهو تميز يحبه كل حاكم يريد الخير لأمته وبلده، مهما كانت النفقات، وقد أصبحت مساحة الحرم المكي 356 ألف متر مربع، والحرم المدني 670 الف متر مربع، وهما يتسعان لحوالى مليونين ونصف مليون مصلِّ. هذه العمارة ستذكر للملك فهد في المستقبل كما يُذكر جامع القيروان لعقبة بن نافع، والجامع الأموي في دمشق، ومسجد قرطبة لأمويي الأندلس، وجامع السليمانية لسليمان القانوني في اسطنبول. وكان الملك عبدالعزيز اختط عادة ان يشرف بنفسه على الحج، وهي عادة حافظ عليها الملوك من أبنائه بعده، والملك فهد في مكةالمكرمة الآن لقضاء الأيام العشرة الأواخر من رمضان كعادته. وبما ان زعماء العالم الاسلامي يقصدون الأماكن المقدسة للحج وفي رمضان، فقد تميزت هذه الأيام المباركة بنشاط سياسي عربي ودولي تمخض أحياناً عن انجازات تعجز عنها المؤتمرات المقررة. ويبقى الاهتمام بضيوف الرحمن هو الأساس، وقد وقفت السعودية في وجه مطالبات واحتجاجات دولية، واستقبلت حجاج العراق وليبيا وقبلهم حجاج ايران مغلبة الإعتبار الديني على أي اعتبار سياسي. وكان الشيخ رائد صلاح، زعيم الحركة الاسلامية في اسرائيل، وهو رئيس بلدية أم الفحم وأحد أبرز وجوه عرب 1948، قال لمراسل ل "الحياة" في جدة قبل أيام ان "رمضان في القدس يشعرك بالأسى والغضب بسبب ما حصل للاسلام والمسلمين. ويكذب الاسرائيليون عندما يقولون انهم كفلوا حرية العبادة، فالفلسطيني في بيت لحم التي تجاور القدس يمر على حاجز بعد حاجز، فيصل الى المسجد متعباً ويعود بائساً حزيناً. أما هنا فإنني استطيع أن أفطر في جدة وأصلي العشاء والتراويح في مكة التي تبعد 70 كيلومتراً". وكما اهتم الحكم السعودي بالحرمين الشريفين فهو اهتم دائماً بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من أعمال الاصلاح والترميم التي نفذت سنة 1959، وحتى الاعمال الجديدة التي اتفق عليها مع اليونسكو قبل سنتين. وأريد ان أختتم بشيء ايجابي، فقد حضرت الجمعة اليتيمة في المسجد الأقصى قرب نهاية 1966، وقدّر المصلون في حينه بمئة ألف. واليوم بلغ عدد المصلين 300 ألف يوم الجمعة الماضي، ولا بد ان يزيدوا في ليلة القدر في 27 رمضان، رغم أنف الاحتلال وقهره ولؤمه وشؤمه. أكثر من هذا ان بين مئات ألوف المصلين اليوم نسبة عالية جداً من الشباب، ما يطمئن الى ان مستقبل القدس لأهلها.