يصعب عليّ وصف السعادة والإطمئنان اللذَين شعرت بهما عند عثوري على البيان الصحافي الذي أصدرته مجموعة روفر في بريطانيا، عن ضخامة الترتيبات التي وضعت لإطلاق موديل "فريلاندر" الجديد بين 26 تشرين الأول أكتوبر الماضي و23 كانون الثاني يناير الجاري. فوصف الصانع البريطاني الذي إشترته شركة بي إم ف الألمانية، بشقيه "روفر كارز" و"لاند روفر" مجتمعين، في 1994 لحملة إطلاق الموديل أشبه بأعراس أفلام والت ديزني: إستأجر طائرة "أيرباص أ 320-211" خاصة لنقل الصحافة العالمية ووكلائه في العالم أجمع، الى جنوب إسبانيا للتعرّف على "اللؤلؤة" الجديدة. حسناً، يمكن فهم أسباب سعادتي بالموضوع: فالبيان يصف بدقّة إنشائية مشوّقة الحملةَ الجرّارة التي شملت ما لا يقل عن أربعة آلاف نفر من بريطانيا وحدها، عدا عن المدعوين من مناطق العالم الأخرى، في طائرة تجوب الأجواء وتتلألأ على المدرّجات رافعة شعار لاند روفر البيضَوي الأخضر: مشهد تغرورق له العيون بدموع الإعجاب! كدتُ أعتقد بأن لاند روفر سجّلت فتحاً ترويجيًاً مبيناً بهذه العملية، لا سيما أن "يمامة" الشركة البريطانية تحط في مدرّج خاص في مطار مالاغا، ليتمكن الوافدون من معاينة "فيلق" وحدات "فريلاندر" المرابطة تأهباً للإنطلاق في التجارب. لكن ذاكرتي أعادتني بسرعة الى أولى رحلات التجارب التي بدأتُ معها مزاولة مهنة صحافة السيارات في 1989: فقد نقَلَت بيجو على دفعات مئات الصحافيين العالميين من باريس حيث بات كل منهم عند وصوله من بلاده الى مصر في طائرة خاصة إستأجرتها لإطلاق موديل "605"، وللوصول أيضاً الى مدرّج إصطفّت في أحد جوانبه عشرات السيارات الجديدة المعدّة للإختبار. لكني لا أذكر أي بيان صحافي تطبّل وتزمّر به بيجو عن الرحلة في حد ذاتها، والتي لم تكن لا الأولى ولا الأخيرة للصانع ولعدد من الصانعين الآخرين طبعاً. ما يختلف مع لاند روفر اليوم هو أنه بينما تتحدّث الشركات عادة عن منتوجها في حد ذاته، لأنها في غنى عن عرض عضلاتها المادية في الإنفاق على الصحافة والوكلاء والموزّعين، فإن الأمر لدى لاند روفر يحتاج الى فَتْل عضلاتها الترويجية إرضاء لصحافة بريطانية لم تهدأ من نكسة إبدال رئيس بريطاني لمجموعة روفر جون تاور قبل سنتين بآخر ألماني والتر هاسلكس من بي إم ف نفسها، ولترتيب أمور روفر تحديداً، حتى أخذت تمتعض من المكانة التي أعطيَت ل"فريلاندر" لدى إطلاق مجموعة بي إم ف موديلاتها الجديدة عشية إفتتاح معرض فرانكفورت الأخير، معتبرة أنها كانت ثانوية، وفي ما يشبه نسيان عنصرَين أساسيين: أولهما مكان المعرض في ألمانيا وليس في بريطانيا، والثاني هو أن بي إم ف تملك مجموعة روفر وليس العكس. مع ذلك، يمكن فهم حاجة لاند روفر الى وصفٍ "ديزني لاندي" لحملتها. بعد السعادة، يبقى الإطمئنان الذي بدأتُ به الموضوع، وهو يتعلّق بالقارئ العربي هذه المرّة. نعم، وهل تعتقد بأن لاند روفر نسيتكَ؟ فبعد سعادتي للقارئ الأجنبي بوصول صحافة بلاده لإختبار "فريلاندر" قبل إخباره عن حسناته وسيئاته، كدتُ أقلق من تأخّر وصول أخبار الموديل العتيد الى قارئي، فيخيّل إليه، لا قدّر الله، أن صانعي السيارات لم يخترعوا بعد سيارة رباعية الدفع من الحجم المتوسط الى الصغير... بإستثناء بضعة إستثناءات "نادرة"، مثل هوندا "سي آر-في" وتويوتا "راف 4" ونيسان "تيرانو 2" شقيق فورد "مافريك"، وكيا "سبورتدج" وأوبل "فرونتيرا" وميتسوبيشي "باجيرو" وتحديداً فئة الأبواب الثلاثة وسانغيونغ "كوراندو" وسوزوكي "فيتارا" ودايهاتسو "سبورتراك / فورتراك" وشفروليه "بلايزر"... على سبيل المثال لا الحصر. لكن قلقي من عدم سماعي أو سماع زملاء من أهم المجلات المتخصصة وأعني منها المتخصصة فعلاً في المنطقة بشمول الصحافة العربية في حملة الإطلاق العالمية للموديل، تبدد في لحظة واحدة وأنا أتصوّر بيانات لاند روفر بالعربية، عند إطلاق الموديل في منطقتنا، تحدّثنا عن "تصميم "فريلاندر" من الأساس ليتلاءم تحديداً مع طبيعة أسواق الشرق الأوسط وأذواق مستهلكيها"، وتطمئننا الى أنه أفضل سيارة رباعية الدفع عرفتها أسواق التاريخ الحديث، وأن الشركة تنصت بإستمرار الى متطلّبات المستهلك العربي فلا يكاد يهمس برغبة إلا وتنفّذها. وَلَوْ؟ كم مستهلكاً عربياً لديها؟ ولو كنتُ لئيماً لكنتُ إعتبرتُ غياب الصحافة العربية عن إختبارات "فريلاندر" مؤشراً الى مدى "إحترام" الصانع للصحافي والمستهلك العربي معاً، والى رغبته في حصر التحدث عن منتوجاته بإعلاناته وحدها. ولكنتُ قلتُ، عملاً بمبدأ "الإحترام المتبادل"، مبروك على لاند روفر ولتنحصر أخبارها بإعلاناتها فقط. لكني متأكّد من أنها لم تتعمّد إستثناء الصحافة العربية من إطلاق "فريلاندر"، بل هو خطأ تقني ناتج من دون شك عن الكومبيوتر الذي لم "يفلتر" أسماء المناطق كما طُلبَ منه. وَلَوْ، كم خليجاً عربياً لديهم؟