تميزت عملية السلام للشرق الأوسط أثناء العام الماضي بالصعوبات وفقدان الثقة والجمود. وبتولي المملكة المتحدة رئاسة الاتحاد الأوروبي، فإن هدفاً رئيسياً للحكومة البريطانية في سياستها الخارجية سيكون المساعدة على إستعادة الزخم لعملية السلام ودفعها إلى الأمام على مختلف المسارات. سأغادر البلاد اليوم متوجهاً إلى إسرائيل والأراضي المحتلة للاطلاع شخصياً على الأوضاع هناك، ولتطمين القادة بأننا ننوي بذل كل ما في وسعنا للسير قدماً بعملية السلام خلال فترة رئاستنا للاتحاد الأوروبي. والتقدم بعملية السلام يتطلب جهوداً كبيرة من إسرائيل ومن الفلسطينيين ومن المجتمع الدولي، وذلك من أجل القضاء على الأسباب العميقة للجمود الحالي في عملية السلام، وهي أسباب سياسية واقتصادية. فهناك تحديات واضحة في الجانب السياسي. علينا في هذا المجال أن نعمل على إعادة بناء الثقة بين الأطراف المعنية، وتهيئة الجو لمعاودة المفاوضات الهادفة إلى تحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة. والعنصر الرئيسي والحيوي هنا هو تأمين الالتزام بالمبدأ الرئيسي لاتفاق أوسلو وهو مبدأ الأرض مقابل السلام. ومن الضروري أن يتم التنفيذ تماماً لكل الاتفاقات القائمة حالياً، بما فيها تلك المتعلقة بالمزيد من إعادة الانتشار للقوات الإسرائيلية في الضفة الغربية. ويجب على الجانبين أن يبذلا أقصى الجهود للحفاظ على الأمن ومكافحة الارهاب. كما عليهما أن يتوقفا عن كل الأفعال التي من شأنها أن تؤثر مسبقاً في مفاوضات الوضع النهائي. وخلال رئاستنا للاتحاد الأوروبي سنعمل مع السفير ميغيل موراتينوس، المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي في عملية السلام للشرق الأوسط، كما سنعمل بتنسيق تام مع الولاياتالمتحدة أيضاً، لتشجيع إسرائيل والفلسطينيين على التقدم بسرعة في جدول الأعمال هذا. والهبوط الاقتصادي الكبير في المناطق الفلسطينية لم يكن بالشيء الذي أمل الناس حدوثه أو توقعوه عند تشكيل حكومة فلسطينية، فلا شك ان "ثمار السلام" في المجال الاقتصادي، التي تنبأ بها العديد من الخبراء الذين قالوا بأنها ستأتي في أعقاب اتفاق السلام المنعقد في عام 1993، تبدو الآن كأنها سخرية قاسية بالنسبة إلى الفلسطينيين، إذ أنهم يواجهون منذ عام 1993 معاناة اقتصادية متزايدة وهبوطاً كبيراً في مستواهم المعيشي. وبموجب تقديرات البنك العالمي وهيئة الأممالمتحدة، فإن دخل الفرد الفلسطيني السنوي قد هبط بين 30 و35 في المئة خلال السنوات القليلة الماضية. ولم تتحقق تلك الاستثمارات الأجنبية التي كان المرجو منها أن تساعد على تحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين. أما عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل وهو دليل رئيسي لسلامة الوضع الاقتصادي الفلسطيني فقط انخفض بنسبة 76 في المئة بين عامي 1993 و1996. كما هبطت كمية التحويلات النقدية من هؤلاء العمال هبوطاً كبيراً، فهبط معها دخل الفرد السنوي، خصوصاً ان كل عامل من هؤلاء العمال يعيل حوالى عشرة أشخاص آخرين. وقد ارتفعت البطالة في الضفة الغربية وفي غزة ارتفاعاً كبيراً وبلغت نسبتها أحياناً 49 في المئة حسب بعض التقديرات. ويجدر بنا أن نتساءل، ماذا وراء هذا الهبوط المروع في الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين؟ الجواب عن ذلك سياسي إلى حد كبير: انه يعود إلى الجمود في عملية السلام وإلى القيود التي تضعها إسرائيل على حرية حركة البضاعة الفلسطينية وعلى الفلسطينيين أنفسهم. ومنذ عام 1993 تضررت عملية السلام من جراء سلسلة من العمليات الارهابية المروعة التي أسفرت عن فقدان مأسوي للأرواح. وكان رد فعل إسرائيل على تلك العمليات الارهابية ان قامت باغلاقات على الضفة الغربيةوغزة ومنعت الفلسطينيين من الدخول إلى إسرائيل وإلى القدسالشرقية للعمل أو التجارة أو السفر. واننا نعترف بحاجة إسرائيل إلى تأمين أمن رعاياها، ولكن العديد من تلك القيود يبدو كأنه يتجاوز ما هو ضروري لمنع العمليات الارهابية. الاثر الاقتصادي من جراء ذلك كان مدمراً بالنسبة إلى الفلسطينيين. والاغلاقات المذكورة كلفت الاقتصاد الفلسطيني نحو 8،2 بليون دولار أميركي بين عامي 1993 و1996 أي ما يساوي الانتاج المحلي الاجمالي لعام واحد. وهذا الرقم هو أعلى بكثير من المبلغ الاجمالي الذي قدمته الدول المانحة لمساعدة الفلسطينيين خلال الفترة ذاتها. وكما قال أخيراً روبن كوك وزير الخارجية، فإن عملية السلام التي تجعل الفلسطينيين في وضع مادي أسوأ مما كانوا عليه سابقاً، من شأنها ان تحبطهم وتجعلهم أكثر عرضة للتطرف. في حين ازدهار الاقتصاد الفلسطيني يخدم ايضاً مصالح اسرائيل إذ انه يزيد في تعزيز أمنها. والاتحاد الأوروبي يقوم بدوره المفيد والايجابي في هذا المجال. فالمفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي الدول الرئيسية المانحة المساعدات الى الفلسطينيين. وهذه الدول مع بنك الاستثمار الأوروبي ساهمت بمبلغ بليوني دولار أميركي تقريباً منذ عام 1993، وهذا المبلغ يساوي أكثر من نصف مجموع المساعدات الدولية للفلسطينيين خلال تلك الفترة. وهناك اتفاق تجاري بين الاتحاد الأوروبي والفلسطينيين وقد أصبح نافذ المفعول في شهر حزيران يونيو عام 1997. وهذا الاتفاق يعطي البضائع الفلسطينية افضلية على غيرها من البضائع في الدخول الى الأسواق الأوروبية. ويدعم الاتحاد الأوروبي ايضاً المشاريع والاتصالات بين الشعبين الاسرائيلي والفلسطيني كوسيلة لبناء الثقة بين الجانبين على المستوى الشعبي. ونحن في رئاستنا للاتحاد الأوروبي نؤمن ايماناً قوياً بهذه الطريقة في التعامل. وسأساهم أنا شخصياً في اجتماع يضم شخصيات فلسطينية واسرائيلية مرموقة بالتحدث في سبل تعزيز هذه الاتصالات. وفي الوقت ذاته ألحت بريطانيا مع شركائها الأوروبيين على اسرائيل لكي تقوم بكل ما في وسعها على مساعدة الاقتصاد الفلسطيني. واننا سنستمر في الالحاح على اسرائيل للقيام بذلك خلال رئاستنا للاتحاد الأوروبي، وسنؤكد ما نراه بأن على اسرائيل والفلسطينيين ان يعملا معاً لعكس الاتجاهات السلبية التي سادت السنوات القليلة الماضية. وبمبادرة من بريطانيا يقوم الاتحاد الأوروبي منذ عام تقريباً بحوار واسع النطاق مع اسرائيل بخصوص الاقتصاد الفلسطيني. وقد تركز هذا الحوار على ايجاد طرق لمساعدة الاقتصاد الفلسطيني وخفض الآثار السلبية الناجمة عن القيود التي تفرضها اسرائيل عليه وترى انها ضرورية لأمنها، الى حد ادنى. وقد تشجعنا بالروح الايجابية التي تواجه بها اسرائيل هذا الحوار. وخلال رئاستنا للاتحاد الاوروبي، فإننا نرجو ان يتطور هذا الحوار ويتحول الى تغييرات حقيقية وايجابية على ارض الواقع. ولتحقيق هذه الغاية فانني، خلال زيارتي للمنطقة سأقوم بالاشتراك مع السفير مورايتنوس برئاسة جلسة مكتملة الاعضاء للحوار وتدارس الوضع الراهن، وإني آمل بأن استخدم هذا الاجتماع للوصول الى اتفاق حول خطة عمل للشهور الستة المقبلة، من شأنها ان تزيد من حرية وصول العمال الفلسطينيين للعمل في اسرائيل، وتحسّن تبادل التجارة وحركة رجال الاعمال، وتقيم ترتيبات ترانزيت افضل من السابق بين الضفة الغربيةوغزة، وتسير قدماً في بناء الميناء وفتح المطار في غزة، وتشجع الاستثمار في المناطق الفلسطينية. وانا متأكد من ان تحقيق هذا الامور سيأتي بالمنفعة على الجميع لانها تعزز الاقتصاد الفلسطيني وتعزز ايضاً امن اسرائيل. وفي عام 1998 سينفذ معظم الاموال التي قدمتها الدول المانحة لمشاريع التنمية الكبرى في المناطق الفلسطينية. وتواجه الدول المانحة مع اسرائيل والفلسطينيين وضعاً لا بد من مواجهته الآن لأنه لن يتكرر في المستقبل. علينا ان نعمل معاً بفعالية اكثر من السابق لمساعدة الاقتصاد الفلسطيني على الوقوف على رجليه. ويجب ان يتاح المجال للاقتصاد الفلسطيني كي ينمو ويزدهر. وهذا امر ضروري حتى يتمكن الفلسطينيون والاسرائيليون من تأمين السلام الدائم.