بتعيينه ثماني لجان استشارية جديدة "تعد" الدراسات و"تنسق" مع مكتبه الاستشاري يكون الرئيس الايراني سيد محمد خاتمي خطا خطوة جديدة في اتجاه جعل موقع رئيس الجمهورية مؤسسة، وتأكيد ان الرئاسة ليست "جهازاً" تنفيذياً لسياسات يحددها غيرها، بل "سلطة" تنفيذية لها دور "رئيسي" في صنع القرار وتحديد استراتيجية الدولة. ويعكس القرار ايضاً توجهاً الى ابراز رئيس الوزراء السابق المهندس مير حسين موسوي الذي كان خاتمي عينه قبل مدة مستشاراً أولاً للرئاسة. وأعلن في طهران ليل الخميس ان خاتمي شكل ثماني لجان استشارية للاعلام والمطبوعات والثقافة وشؤون علماء الدين والشباب والاقتصاد والشؤون الاجتماعية، ولشؤون أهل السنة، وذلك للمرة الأولى في تاريخ نظام الجمهورية الاسلامية، علماً ان رئيس الجمهورية كان يعيّن في السابق مستشاراً له لشؤون أهل السنة، لكن هذا المنصب افتقد الفاعلية. ويعتقد ان خاتمي حريص على ايلاء مطالب اهل السنة اهتماماً خاصاً لا سيما ان الفقهاء السنة اعلنوا دعمهم له في انتخابات الرئاسة، وهو حصد الغالبية المطلقة من الاصوات وبنسب كبيرة جداً في المناطق التي تقطنها غالبية من السنة. وأكدت مصادر موثوق بها ل "الحياة" ان فاعليات سياسية واجتماعية ودينية سنية وجهت رسالة الى خاتمي عرضت فيها بعض المطالب "الاساسية"، علماً ان السنة في دستور الجمهورية الاسلامية لا يُنظر اليهم كأقلية دينية أو مذهبية ويعدون ضمن الغالبية المسلمة في البلاد، ولهم في البرلمان الآن 15 نائباً. وعيّن خاتمي 28 عضواً في اللجان الثماني الاستشارية، ابرزهم شقيق مرشد الجمهورية السيد هادي خامنئي لجنة المطبوعات علماً ان الأخير صاحب امتياز صحيفة "العالم الاسلامي" اليومية التي اوقفت بقرار "لم يُبرر ولم يُوضح" من قبل وزارة الارشاد والثقافة عام 1994، وقيل ان السلطات ستسمح لها بالصدور مجدداً. وعُيّن وزير الداخلية السابق السيد علي أكبر محتشمي مستشاراً في لجنة الشؤون الاجتماعية، ولتعيين هادي خامنئي ومحتشمي الراديكاليين دلالات سياسية. وأوضح ان الرئيس يريد للجان الثماني ان تكون فاعلة بما "يهيئ لمؤسسة الدراسات والاستشارات الميدانية" في اطار "التنسيق" مع المكتب الاستشاري لخاتمي، ما يعني رغبة في استخدام الصلاحيات الدستورية للرئاسة بوصفها "سلطة" تنفيذية، تحدد السياسات "العملية" للحكومة والخيارات "الكلية" للدولة بما ان الدستور يمنح المرشد صلاحيات تحديد السياسات العامة للنظام، والحكومة ملزمة ب "التخطيط" في اطارها. ويكتسب قرار تعيين اللجان الثماني الآن اهمية مضاعفة، اذ انها ستكون العمود الفقري ل "مطبخ" السياسات "الكلية"، وبين مهماتها اعداد الدراسات "الاستراتيجية" والاستشارات "الميدانية" العملية، كأنها ستكون بديلاً عن مركز الدراسات الاستراتيجية الذي كان تابعاً لرئاسة الجمهورية في السابق، واعتبر "مطبخ" القرار الاستراتيجي للحكومة والدولة. لكن الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني اصدر قراراً بالحاقه ب "مجمع تشخيص مصلحة النظام"، قبل اسابيع قليلة من تسلم خاتمي مهماته رسمياً، علماً ان رفسنجاني يتولى الآن رئاسة المجمع الذي يُعدّ الهيئة الاستشارية العليا للمرشد. ولم تخفِ اوساط قريبة الى العهد الجديد استياءها من خطوة رفسنجاني "الاستفزازية" التي فهمها بعضهم باعتبارها رغبة لدى الرئيس السابق لجعل خلفه رئيساً ل "جهاز" ينفذ سياسات يحددها غيره وليس رئيساً ل "سلطة". وتعزز هذا الاعتقاد باصدار رفسنجاني بعد تولي خلفه مهماته قراراً بتشكيل لجان فرعية ملحقة بالمجمع، متخصصة في معظم الشؤون المرتبطة بالحكومة، ما دفع مراقبين الى الحديث عن محاولة لتشكيل "حكومة ظل". وقد يعني قرار خاتمي تشكيل اللجان الثماني رغبة في وضع الأمور في نصابها، وتحديد الصلاحيات بوضوح خصوصاً ان الرئيس اكد في حديثه الى شبكة "سي. ان. ان" انه مصمم على ان تكون هناك "حكومة واحدة وقوية" في ايران. ولأن اللجان الجديدة ستكون باشراف المستشار الأول لخاتمي، مير حسين موسوي، يعتقد ان الأخير سيضطلع بمهمة مؤثرة في صنع القرار لدى رئاسة الجمهورية، وليس مستبعداً ان يكون ذلك مدخلاً لظهور موسوي على الساحة مجدداً بما انه لا يزال يؤثر العكس. ويقول قريبون الى خاتمي ان ظهور موسوي في موقعه الملتصق بالرئاسة ستكون له آثار ايجابية جداً لدى الرأي العام، لأن الايرانيين ما زالوا ينظرون بتقدير كبير الى المرحلة التي رأس فيها موسوي الحكومة، وكانت الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ايران آنذاك اقل سوءاً بكثير من سنوات "الاعمار" الثماني الماضية. وتندرج الخطوة الاخيرة لخاتمي في اطار خط هادئ لترسيخ نفوذه في الدولة والسلطة والنظام، من دون الاصطدام بالشخصيات "التاريخية" البارزة كرفسنجاني، وايضاً تنفيذ برنامج حكمه من دون مساومة، وفي النهاية تأكيد كونه الرجل الثاني في النظام والدولة، ليس فقط دستورياً، بل على الأرض ايضاً.