الحزب الديموقراطي الكردستاني يصارع الاتحاد الوطني الكردستاني، وحزب العمال الكردستاني يقاتل الحزب الديموقراطي الكردستاني، والحزب الاشتراكي والمحافظون والشيوعيون والكادحون يهبّون لنجدة الاتحاد الوطني الكردستاني، والجناح الآخر من الشيوعيين والاشتراكيين والكادحين يؤازرون الحزب الديموقراطي الكردستاني، وحزب الله الكردي يدعم الاتحاد الوطني، والحركة الاسلامية تؤيد الحزب الديموقراطي، والحركة الآشورية تتعاطف مع الاتحاد الوطني، اما الحركات التركمانية فتميل الى جانب الحزب الديموقراطي، والاتحاد الوطني يتهم تركيا بدعم الحزب الديموقراطي، وهذا الاخير يتهم ايران بدعم الاتحاد الوطني، والحزب الديموقراطي يفتح الخطوط على بغداد ويتلقى الاسلحة الثقيلة، والاتحاد الوطني يتلقى من ايران صواريخ غراد، والحزب الديموقراطي يطرد سبعمائة وخمسا وثلاثين عائلة موالية للاتحاد الوطني من اربيل، والاتحاد الوطني يطرد ثلاثمائة وستين عائلة موالية للحزب الديموقراطي من السليمانية، والحزب الديموقراطي يمنع شاحنات المواد الغذائية من دخول السليمانية فيقوم الاتحاد الوطني بقطع الكهرباء عن أربيل، ومن هنا وهناك تكثر التدخلات وتتشابك الخيوط ويضرب الكلُّ الكلَّ والضحايا: أجيال متلاحقة من الاكراد. هذه ليست أحجية أو لغزاً مستعصياً. انها صورة مصغرة لما يجري على أرض الواقع في المنطقة الواقعة شمال خط العرض السادس والثلاثين من كردستان العراق. كان المريدون أرادوا لهذه البقعة ان تتحول ملاذاً آمناً للملايين من الاكراد لحمايتهم من مطاردة ظالميهم من أشباه صدام حسين وحرسه الجمهوري وجيشه العرمرم. ولكن المنطقة ما لبثت ان تحوّلت الى مرتع تعيث فيه الاحزاب والقوى والميليشيات الكردية، ومن ورائها الاسياد الاقليميون، وتعبث بمستقبل وحياة ومصير هؤلاء الاكراد المساكين الذين يبدو وكأن لعنة القدر تطاردهم أينما حلّوا. ليس من لومٍ يقع على كاهل الزعماء الاكراد. هم لم يتلقوا طوال عقود طويلة سوى دروس في القتال والحرب. ثم وجدوا انفسهم، على حين غرة، وبين أيديهم مؤسسات ومدن وناس. والبيشمركة الاكراد والبيشمركة تعني حرفياً: أمام الموت افتقدوا الموت الذي كان صدام حسين يمنّ به عليهم بسخاء. في حال كهذه، يبدو طبيعياً ان يضيف صدام حسين مسحةً سوريالية اخرى الى اللوحة كعادته: إرسال كميات من الكتب المدرسية الى شمال خط العرض السادس والثلاثين لتذكير الاطفال الاكراد بحنانه الذي لا حدّ له.