في الآونة الأخيرة زادت العيادات الخاصة بالطب النفسي في السعودية، وفي الرياض وحدها أكثر من تسع عيادات نفسية متخصصة تملكها مجموعة من الاستشاريين والاخصائيين في الطب النفسي، مستعينين بزملاء لهم يعملون في المستشفيات أو يدرسون في الجامعات. واللافت أن تلك العيادات تكثف حملاتها الدعائية في الاذاعات والصحف والملصقات وكأنها تحاول فك العزلة التي أوجدها الموقف الاجتماعي تجاه المريض النفسي. فنظرة المجتمع السعودي إلى الأمراض النفسية عموماً لا تختلف عنها عند غيره من المجتمعات العربية والإسلامية التي تختلط فيها الخرافة بالجهل والعار الذي يلحق الأسرة. وإلى وقت قريب كان الذهاب إلى الطبيب النفسي يعني اعترافاً بالجنون، ما جعل كثيراً من المرضى يخفون مراجعتهم لأطباء النفسية باعتبارها من أسرارهم الخاصة جداً. وهذه النظرة تنسحب ليس فقط على المريض، بل على الطبيب النفسي وتنسجم مع السياق الثقافي العام في معظم البلدان تجاه الطبيب النفسي. وللتحايل على هذا الرفض الصلب للبحث عن حلول للمرض النفسي، لجأت عيادات الطب النفسي في تسويق خدماتها إلى التركيز على مشاكل الطفل النفسية والسلوكية. فالطفل لم يعقل بعد حتى يظن به الجنون، ومشاكله ملموسة وملحة بالنسبة إلى الأسرة وشائعة كالعيوب في النطق والعدوانية والخوف وقياس الذكاء ومشاكل الإعاقة العقلية وصعوبة التعلم والتبول اللاإرادي وغيرها. ويتركز معظم تلك العيادات عادة في الأحياء الراقية في شمال المدينة ليس لأن المرضى يكثرون هناك، بل لأنهم يستطيعون تحمل تكاليف العلاج الباهظة، إذ يستغرق علاج معظم الحالات التي تراجع تلك العيادات من 10 إلى 15 جلسة علاجية مدة الجلسة الواحدة بين 15 دقيقة وساعة كاملة وتكلف المريض من 200 إلى 400 ريال حسب طبيعة المرض النفسي. ويبدو ان هذه الطريقة نجحت في جعل العيادة النفسية مكاناً مألوفاً للكبار بعد الصغار فلقيت إقبالاً متزايداً من المرضى. ويقول موفق العيثان، استشاري وأستاذ الطب النفسي المساعد في مستشفى الملك خالد الجامعي في الرياض، ان الزيادة في العيادات النفسية الخاصة تأتي ضمن إطار الزيادة المطردة في الخدمات الطبية التي تقدمها المراكز والمستشفيات الحكومية، وكذلك الزيادة الهائلة في عدد السكان والتغير الاجتماعي الذي صاحب الطفرة الاقتصادية في السنوات الماضية، وتغير الأسر من الأسرة الممتدة التي توفر الدعم إلى الأسرة المصغرة المعزولة... وهي عوامل تؤدي إلى ازدياد المشاكل النفسية في المجتمع وبالتالي زيادة الحاجة إلى علاجها. ويضيف: "ان الأزمات تعتبر عاملاً من عوامل انتشار الأمراض النفسية. وساهمت الطفرة الاعلامية والتعليمية التي يعيشها المجتمع السعودي في توضيح الصورة الحقيقية لطبيعة المرض النفسي ما أدى إلى رفع كثير من الحواجز التي تمنع بعض المرضى من مراجعة العيادات النفسية". وربما كانت المرأة هي المحتاجة أكثر من غيرها للعلاج النفسي، كما يقول العيثان، "إذ ان 70 في المئة من النساء اللاتي يراجعت العيادات النفسية يعانين من القلق والوساس القهري والمشاكل الزوجية والاضطرابات العقلية وأمراض أخرى". وتصف هناء المطلق، اخصائية نفسية وأستاذة جامعية، شخصية المرأة ضمن إطارها الاجتماعي بالقول: "لم يتبلور لديها من وعي الذات ما يكفي لمراجعة أوضاعها أو المساهمة بشكل مقصود في تعديل ظروفها. وحين أقول ذلك فإنما أقصد ملامح صورة المرأة كطريدة يلاحقها الاختطاف وأنها غير أهل للثقة أو التصرف الصحيح". وتناقش المطلق اثر العامل الاقتصادي في علاقة المرأة بالرجل ومدى استقلاليتها: "لقد أعطتها المساهمة في نفقات البيت قدرة وسيطرة لم تكن تملكهما من قبل، الأمر الذي يعدل بالتدريج من صورة المرأة الذاتية والاجتماعية. ومع ذلك لا اعتقد بأن المرأة استفادت بشكل كامل مما وهبها راتب العمل من فرص للسيطرة". أما أساليب العلاج المتبعة للمرضى النفسيين سواء في العيادات الخاصة أو الحكومية، فيقول موفق العيثان: "هناك علاج جسمي وهو علاج الأمراض النفسية عن طريق مركبات كيماوية عقاقير وأدوية أو عن طريق الجلسات الكهربائية في الحالات المستعصية. وهناك علاج سلوكي عن طريق تغير السلوك بالوسائل المعرفية... والتعليمية". ويبرر العيثان لجوء عدد ملحوظ من المرضى النفسيين إلى طرق أخرى غير الطب النفسي التقليدي لعلاج أمراضهم النفسية، بندرة المختصين في الطب النفسي والذين يملكون تدريباً وكفاءة عالية، وكثير من المرضى لا يراجعون الطبيب النفسي إلا بعد استفحال المرض ووصوله إلى مراحل مستعصية. وأخيراً يشير العيثان إلى ان التراث الفكري والثقافي في المجتمع الشرقي يساهم بشكل ملحوظ في صرف كثير من المرضى عن مراجعة الطبيب النفسي وتلقي العلاج على يديه.