اكتشف مختصّون بعلم تطوّر الكائنات الحيّة («بالينتولوجيا» Paleontology) من جامعة «رين» الفرنسيّة، وجود 356 حيواناً في كهرمان قاتم تماماً، في مواقع أثرية تعود الى منتصف العصر الطباشيري في بلدة «شارانت» بفرنسا. واستعملوا نوعاً خاصاً من الأشعة السينيّة في تصوير كيلوغرامين من مادة الراتينج الملتصقة في أشجار محتبسة في أحفوريات قديمة. وسمحت تلك التقنية المتقدمة بالكشف السريع عن كميات كبيرة من الكهرمانات القاتمة، علماً بأنها الطريقة المعروفة الوحيدة لاكتشاف تفاصيل ما يحويه كهرمان أحفوري عندما يكون قاتماً تماماً. وتقليدياً، شكّل الكهرمان القاتم تحدّياً بالنسبة إلى علماء الإحاثة، إذ ليس في الإمكان دراستها بالعين المجردة ولا بالوسائل التقليدية المستخدمة في التعرّف الى ما تتضمنه الأحفوريات الأثارية. وتحوي المواقع التي تعود الى العصر الطباشيري (قبل أكثر من مئة مليون سنة) كتلك الموجودة في «شارانت»، قرابة 80 في المئة من الكهرمانات القاتمة المعروفة عالمياً. ولا يعرف العلماء إذا كان الكهرمان القاتم يحوي شيئاً يفيدهم أصلاً، ومع ذلك فإنهم لا يكفّون عن محاولة استكشاف محتوياته. وفي ذلك السياق، عمد فريق علمي في جامعة «رين» بالتعاون مع نظراء لهم في أوروبا، وبرعاية من «المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي» في باريس، إلى تطبيق تقنية التصوير بالأشعة السينية المختصة على الكهرمان القاتم. ويعرف ذلك النوع من الأشعة باسم «الصورة الإشعاعية الدقيقة المتباينة في مرحلة التكاثر». وتعتمد تلك التقنية على توصيل الضوء الى دواخل الكهرمان القاتم الذي يبدو حجراً بالنسبة إلى العين البشرية. وفي ذلك السياق، أوضح أحد أعضاء الفريق أن «الباحثين حاولوا دراسة ذلك النوع من الكهرمان على مدى سنوات، فلم يحققوا سوى القليل من النجاحات. إذاً، من المستطاع القول إن تلك المرة الأولى التي يتمكن العلماء فيها من الحصول على صورة عن الأحافير التي يتضمنها الكهرمان القاتم». رؤية عبر الماء في التفاصيل أيضاً، أن العلماء صوروا مئات القطع من الكهرمان القاتم في منطقة «شارانت». واكتشفوا 356 حيواناً متحجراً، من بينها دبابير وذباب ونمل وعنكبوت السحالي. وكذلك تمكّن الفريق من تحديد فصيلة 53 في المئة من تلك المحتويات. ويلفت أيضاً أن غالبية الكائنات المُكتشفة كانت صغيرة للغاية. إذ بلغ قياس إحدى السحالي 0.8 ملم، بينما بلغ قياس دبور متحجّر 4 ملم. وعلق باحث على تلك المعطيات، مشيراً إلى أن الحجم الصغير للكائنات الحية يعود الى واقع أن الحيوانات الأكبر حجماً تكون قادرة على الهرب من الراتينج قبل أن تعلق فيها، بينما يسهل أن تعلق الصغيرة فيه. وفي اشتغالهم على الكهرمان القاتم، واجه العلماء عقبات تقنية متنوعة. إذ إن بعض التفاصيل على سطح قطع الكهرمان كالصدعات، يبرز بأوضح مما تفعل الكائنات المتحجرة أو الأحفورية في داخله، عند استخدام الأشعة السينية المختصة. ولحلّ تلك المشكلة، نقع العلماء قطع الكهرمان في الماء قبل تحليلها. ونظراً الى أن الماء والكهرمان لديهما الكثافة نفسها، فإن غمر تلك القطع القاتمة بالماء يجعل محتوياتها وتفاصيلها السطحية مرئيّة على نحو متماثل تقريباً، ما أدى الى رؤية أفضل للمحتويات الأحفوريّة. وبعد الانتهاء من مرحلة التصوير بالأشعة، صُوّرت بعض الكائنات بالأبعاد الثلاثيّة، ثم استُخرِجت من الراتينج. وتُمكّن الصور الثلاثيّة الأبعاد العلماء من دراسة الكائنات الحية ووصفها بشكل دقيق. وخلص فريق البحث إلى تأكيد أن الكهرمانات القاتمة تستضيف مجموعة من مظاهر الحياة من أزمان سالفة، وهي لا تزال غير معروفة، ما يُحسّن فهم العلماء لظاهرة الحياة في مروحتها الواسعة.