يكشف الخليجيون اليوم عن وجهٍ جديد لتكتلهم، تظهر عليه تعابير واضحة، فيبدو متبسماً حيال إنجازٍ جديد، أو قلقاً إزاء أزمة أو توتر، يرفض اللغة المائعة، ويتجه إلى الحسم ووضع الإصبع على الجرح دون مواربة. الخليجيون بدوا أكثر ثقةً اليوم بمجلسهم وقياداتهم بعد سلسلة قراراتٍ ومواقف إيجابية، وسلوكه منحنىً مهماً في طريق اللحمة والوحدة، وعلى رغم القلاقل التي أثيرت في البحرين إلا أنها لم تؤثر في مسيرة المجلس المتصاعدة، خلافاً لأقاويل تشير إلى تصدعه، أو تلك التي تزعم حدوث انشقاق في اصطفافه. ففي العلاقة مع إيران، كان الخليجيون في حال اصطفاف وتوحد مع البحرين إزاء تدخلات إيران في شؤونها الداخلية، ووقفوا بحزم وقوة أمام سياساتها العدائية تجاههم، وأعلنوا رفضهم لتصريحات المسؤولين الإيرانيين الاستفزازية بحقهم، في رسالةٍ واضحة تؤكد متانة رابطة هذه الدول ووحدة مواقفها السياسية، كقوةٍ إقليمية مهابة الجانب وموحدة الصف. وغابت عن اجتماعات الخليجيين الأخيرة مناقشة هموم البيت الداخلي، وتوارى الحديث عن الوحدة النقدية والقرارات الاقتصادية، بسبب تراكم الأزمات وتسارع وتيرة الأحداث في المنطقة، وثقة المجلس بتماسك جبهته الداخلية، ووقوفها وراء الشرعية. ذلك ما كان واضحاً وجلياً في الأزمة السورية، حينما وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خطاباً تاريخياً للشعب والحكومة السورية اعترض فيه على سياسة القتل والعنف ضد الشعب، ودعا إلى الجنوح إلى الحكمة وصوت العقل، حتى إن سياسيين من قلب النظام في دمشق اعتبروا مضامينه منطويةُ على تقديرٍ لسورية وحرص على أمنها واستقرارها، فجاء الموقف الخليجي متسقاً مع هذا التوجه فسحبت قطر والكويت والبحرين سفراءها، واختار المجلس الوزاري لغةً حاسمة إزاء ما يحدث في سورية استندت إلى خطاب الملك عبدالله. الموقف بدا أكثر قوة ووضوحاً وتأكيداً لسياسية دول الخليج المنحازة إلى الشعوب، وأكثر تأثيراً من موقف الجامعة العربية الذي ظهر متلكئاً وبطيئاً إزاء ما يحدث في سورية، حتى اعترف أمين الجامعة العربية نبيل العربي أمس أن جامعته أصبحت عاجزةً عن التعامل مع الأزمات العربية. ويتضح للعيان تمسك الشارع اليمني بالمبادرة الخليجية التي تمثل خريطة الحل لأزمة الحكم والخروج باليمن من هذه الأزمة إلى المنطقة الآمنة، ويؤكد ذلك أنه لم يسمع صوتاً يمنياً يرفض المبادرة، ما عكس ثقة الآخر بنوايا المجلس الذي مازال متمسكاً بها كحل موضوعي للأزمة. ومثلت دعوة الأردن والمغرب إلى الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، فرصةً لتوسعة دائرة الرخاء الاقتصادي الذي تعيشه الدول الست، فخرجت جلسة وزيري خارجية المملكتين مع وزراء خارجية الخليج بتوصية لتنفيذ برنامج تنمية اقتصادي لمدة خمس سنوات تستفيد منه الأردن والمغرب، لتصمت تلك الأصوات التي تحدثت عن نادٍ ملكي كبير يزمع إنشاؤه في المنطقة، ليثبت الخليجيون أن مصالح الشعوب مرةً أخرى فوق تلك الاعتبارات، وهو الأمر الذي طبق في العلاقات مع اليمن التي انضمت إلى بعض اللجان، واستفادت من خدمات الخليجيين الاقتصادية. ولطالما تكرست قناعة دول المجلس بالشعوب، ومراعاة مصالحها في قراراتها، فبعد أن ثار التونسيون على نظام زين العابدين بن علي، أعلنت السعودية ( أكبر دول المجلس ) أن استضافتها له كانت من منطلق تقديرها للظروف الاستثنائية التي يمر بها الشعب التونسي، وفي الحالة المصرية حينما قدمت السعودية أربعة بلايين دولار للحكومة والشعب المصري، دعماً لاقتصاده الذي تأثر بفعل الثورة. تلك المبادئ الخليجية أكدها الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز خلال تصريح صحافي حينما قال إن «أية مجموعة دول أو أية دولة لا تسعى لتحسين علاقتها مع المملكة أو مع دول مجلس التعاون الخليجي ستكون هي الخاسرة».