الهجوم على مركز التجارة العالمية بنيويورك قبل عقد أفضى إلى انعطاف تاريخي، وولد سلسلة نزاعات ومواقف وسياسات غيّرت موازين القوى في العالم. فإثر العدوان على الولاياتالمتحدة في عقر دارها، أدرك الأميركيون أنهم لم يعودوا أسياد عالم ما بعد انهيار جدار برلين. ويستوقف المراقب أن السلاح رفع باسم الإسلام ضد القوة العظمى التي تمثل الغرب. وأذنت الحادثة ببدء الفصل الأول من صدام الحضارات على ما وصفه هنتنغتون: ليس نزاع جوار أو (نزاع) قوى، بل نزاع قيم. والحق أن الهجمات هذه أظهرت لحمة الأميركيين وحس انتمائهم القوي إلى الأمة الأميركية. والدستور هو جامع هذه الأمة، وليس تاريخها المشترك عصب لحمتها. ولكن هذه الأمة الموحدة أجّجت في الخارج مشاعر معادية للإمبريالية وغذّت مشاعر كراهية الغرب كله. وشعر الغربيون أن الاعتداء يستهدفهم كلهم، وأغفلوا أنه (الاعتداء) بعث مشاعر الفخر في أوساط مسلمي الدول العربية والغربية وكان في مثابة انتقام لعقود من المهانة «الإمبريالية». فأنجز أبطال المسلمين ما أنجزه فيديل كاسترو الأسطوري في مواجهته مع الأميركيين. ودارت الشبهات على المسلمين في الغرب، وبدأ انقسام الحضارات. وفي 1990، يوم ضم صدام حسين الكويت إلى الأراضي العراقية، اقتصّت أميركا من العراق نزولاً على طلب قوى إقليمية، وحظيت عمليتها العسكرية بإجماع دول مجلس الأمن كله، ما عدا كوبا. وأظهرت الولاياتالمتحدة أنها شرطي العالم غداة أفول الاتحاد السوفياتي. وبدا أن منفذي هجمات 11/9 أطاحوا مكانة أميركا هذه. ورمى جورج بوش الابن إلى بعث المكانة هذه. وتبنّى الإسرائيليون، وعلى رأسهم شارون، الحملة على الإرهاب. ولم يعد في وسع الغرب رفض مطالبهم. فوافق الرئيس الأميركي على اتهام الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بالإرهاب، على رغم إدانته هجمات أيلول (سبتمبر). والموقف الأميركي هذا المنحاز إلى إسرائيل سمّم علاقات العالم الغربي كله بالعالم العربي. وحسِب الخلاسي الشاب الأميركي، باراك أوباما، أن في وسعه ردم هوة العلاقات بين الغرب والعالم العربي والإسلامي وطي حرب الحضارات وصدامها، وأن في وسعه التعويل على تعاون إسرائيل معه لتجميل صورة الغرب من طريق إبرام السلام مع الفلسطينيين. ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض مثل هذه الاستراتيجية. وصفّق له الكونغرس الأميركي، واضطر أوباما إلى العدول عن مشروعه. والتاريخ لن يرحم المسؤولين الإسرائيليين لتعنّتهم في رفض السلام. ولم ينجح الإسلاميون المتطرفون في مواصلة حرب الحضارات، والانتقال إلى فصلها الثاني. ومردّ ذلك إلى: - الانقسام وهو أبرز سمات تاريخ المسلمين والعرب. وعلى سبيل المثل، راح ضحية الحرب العراقية – الإيرانية نحو مليون ضحية. وأزهق في الحرب الأهلية الجزائرية نحو 150 ألف نسمة. وتاريخ المسلمين هو تاريخ لعنة أصابتهم منذ الاقتتال أيام الخلفاء. - وكفة التيار الإسلامي المتشدد ليست غالبة في الدول الإسلامية، وليست محل إجماع. فشعوب بعض الدول الإسلامية تتوق إلى الديموقراطية. وربيع الثورات العربية لفظ الإرهاب العدمي. * معلق، عن «نوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية، 8/9/2011، إعداد منال نحاس