لا تجد أسمهان اللاجئة السورية في مدينة إربد شمال الأردن، غير الصمت ملاذاً لها من لهيب ظلم زوجها، علها تخفف من حدته بعد أن باعد اللجوء بينها وبين ذويها الذين لا تعرف منذ أشهر إلى أي أرض نزحوا بسبب المعارك المجنونة الدائرة في بلادها، وإن كانوا لا يزالون أحياء أم لا. أسمهان التي لا يعلم حجم الاعتداءات الجسدية التي تتعرض لها من زوجها، غير بعض جاراتها الأردنيات اللواتي تسر لهن عن ذلك، تحرص على ألا يكشفن ما باحت به نفسها لهن في لحظات انفجار كبتتها بكاء وعويلاً. وتتساءل بحيرة: «إلى من ألجأ، وكيف سأترك طفلي الذي لم يتجاوز بعد شهره السادس، وهل المجهول أفضل؟». وتقول إن زوجها الذي تمكّن من الهرب من سجنه في درعا بعد أن سيطر الثوار عليه، صمم على الخروج من سورية، واجتاز وإياها الحدود الأردنية بعد دفعهما معظم ما يملكانه من مال إلى سماسرة لضمان عبورهما سالمين. لاحظت أسمهان أن طباع زوجها تغيّرت بسبب التعذيب الذي تعرّض له في السجن، وأصبح يذيقها يومياً مر العذاب، خصوصاً بعد أن بات عاطلاً من العمل ينتظر ما تجود به عليه الجمعيات الخيرية والمنظمات الدولية من مساعدات لا تكاد تسدّ رمقاً. وتتابع أنه غرق في شرب الكحول لينسى وضعه المستجد، بعد أن كان يعمل مهندساً في إدارة المياه في درعا، مشيرة إلى أنه صار يطلب منها نقوداً لإرواء نهمه من الكحول، وكانت تضطر إلى العمل في تنظيف المنازل. ويقيم معظم اللاجئين السوريين في المدن الأردنية خارج المخيمات التي أقيمت لاستيعابهم. وتضيف معاناة اللاجئات فصلاً جديداً من معاناة النساء عموماً في الأردن، واللواتي يتعرّضن لأشكال من العنف، منها ما يقع في محيط الأسرة ويشمل التعرّض للضرب على يدي الزوج، والتعدي الجنسي على أطفال الأسرة الإناث، والعنف المتصل بالإكراه على الزواج وحرمان الفتاة من المهر والميراث، واغتصاب الزوجة. فضلاً عما يقع في إطار المجتمع ويشمل الاغتصاب، والتعدي الجنسي، والمضايقة في أماكن العمل وفي المؤسسات التعليمية وغيرها. كما يندرج ضمن هذه الفئة الإتجار بالنساء وإرغامهن على البغاء والعمل القسري. وصمت أسمهان وقبولها الظلم والواقع لا يختلفان عن صمت هدى عن ظلم أشقائها الذين أجبروها على التنازل عن ميراثها، تحت تهديد مقاطعتهم لها، إذا لم تنصَعْ لذلك. ويعمل زوج هدى موظفاً في إدارة البريد، وبالكاد يغطي راتبه تكاليف إطعام أبنائهما الخمسة خبزاً، وذلك بعد أن يقتطع منه إيجار البيت. وقد اضطرت للتنازل عن حقها في مقابل عشاء أقاموه لها ورضيت بالفقر بدلاً من مقاطعة أهلها لها. وأظهرت دراسة أجرتها منظمة «كير» العالمية في عام 2012، أن 68 في المئة من النساء يتعرّضن للعنف في منزل الزوجية، و59 في المئة منهن في منزل الأهل، و48 في المئة خارج المنزل. ووفق الدراسة، فإن نسبة تعرّض المرأة للضرب بلغ 59 في المئة، والشتم (51 في المئة) والإهانة (42 في المئة)، والأشكال الثلاثة هي الأكثر شيوعاً. ووفقاً للإجابات المسجلة، ينحصر دور 82 في المئة من اللواتي شملتهن الدراسة، في تربية الأولاد، و59 في المئة في الأعمال المنزلية، وحوالى 50 في المئة في خدمة الزوج. وعلى رغم عدم وجود أي مبرر للعنف، إلا أن أسبابه كما وردت في الدراسة هي: ضعف الوضع الاقتصادي، البطالة والفقر، ضعف الوعي القانوني للمرأة، الثقافة الذكورية السائدة، الخوف من الإفصاح والشكوى، والزواج المبكر. ووفقاً لأرقام رسمية صدرت أخيراً عن إدارة حماية الأسرة التابعة للأمن العام، بلغ عدد حالات النساء المعنفات 7931 حالة في عام 2012. وأحيل 27 في المئة منها إلى القضاء، و12 في المئة إلى الحاكم الإداري، و61 في المئة إلى مكتب الخدمة الاجتماعية التابع لحماية الأسرة. وكانت تعرضت 587 أنثى لتعنيف جنسي، 295 فتاة منهن بالغات و283 طفلات. ويقول الدكتور عبدالخالق الختاتنة، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، إن الدراسات الرسمية تؤكد أن معدلات العنف ضد المرأة متفاوتة وتبلغ أعلى مستوياتها في مناطق شمال البلاد (42 في المئة) ثم في الجنوب (32 في المئة)، وفي وسط البلاد (27 في المئة). ويزداد العنف في شكل كبير في المجتمعات التي تعاني الفقر والتخلّف، وبين الفئات الاجتماعية الفقيرة . وأوضح الختاتنة أن العنف ضد المرأة يؤدي إلى اختلال العملية التنموية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كون المرأة تشكّل نصف المجتمع. وأشارت دانا الحجوج من اللجنة الوطنية لشؤون المرأة إلى الافتقار إلى أرقام دقيقة حول قضايا العنف ضد المرأة في الأردن لأسباب عدة، ما يتطلّب العمل على توفير قاعدة بيانات تساعد في مواجهة حالات الإساءة. وأكدت أن اللجنة ترصد حالات الاعتداء من خلال توفير شبكة من مواقع الأخبار في المناطق، مشيرة إلى أن اللجنة ومن خلال شركائها تقدّم خدمات صحية واقتصادية واجتماعية ونفسية للمعنفات. وتحدّثت النقيب خولة الخرشة من مديرية حماية الأسرة التابعة للأمن العام، عن معوقات كبيرة تتمثل في عدم تفهم المجتمع واقعَ عمل المديرية، إضافة إلى أهمية التعرّف إلى حالات العنف ضد المرأة. وكان الأردن انضم أخيراً إلى مبادرة الأممالمتحدة للالتزام بالقضاء على العنف ضد المرأة. وأعلنت الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة أسمى خضر عن خطوات حقيقية ستتخذ وتشمل إعداد استراتيجية وطنية للقضاء على العنف ضد المرأة، وإصلاحات تشريعية لتحسين البيئة القانونية لمجابهة تلك الظاهرة، وتطوير آليات توفر المعلومات حول مدى انتشارها.