كلما خرج خبر جديد من صندوق التنمية العقاري عن من يستحق القروض بصيغتها الجديدة، عرفنا مدى الارتباك والاختناق المالي الذي وجد الصندوق نفسه فيه، ومن ورائه وزارة الإسكان بعد التدفق الهائل لطلبات الإسكان إثر القرارات الملكية الأخيرة، التي استجابت لمطالب الناس في البحث عن سكن يؤويهم وأسرهم. فقرار منح حق الاقتراض لكل من ليس لديه ارض فتح أعين مسؤولي الصندوق ووزارة المالية على المشكلة بثقلها وعمقها في وجدان الوطن، ويظل السؤال الدائم أين أولئك المسؤولين التكنوقراط الذين ملؤوا جامعات الدنيا بحثاً ودراسة، أين هم طوال عقود من معرفة حاجة سوق الإسكان السعودية قبل فتح الباب أمام ملايين من طلبات الاقتراض ثم الوقوع في مفاجأة عدد الطلبات المهولة، والتي على «الهامش» ينقصها طلبات النساء والتي لو أدرجت لكانت المسألة ضرب من المستحيلات. إذاً أصبح الوضع الآن «مكشوفاً» جداً، وكأن «كشافاً» هائلاً سُلط على عتمة الإسكان فكشف المستور، ووجد المسؤولون عنه أنهم أمام تحدٍّ اقل ما يقال عنه انه الأقسى والأكثر تعقيداً في العقدين المقبلين. فهناك 50 في المئة من السعوديين ولدوا بعد عام 1990، وهم الآن في أول العشرينات، وبالتالي كل أولئك الشباب هم في حاجة إلى سكن خلال سنوات عمرهم المقبلة، وهم بالتالي سيضافون إلى أعداد المنتظرين السابقين الذين مل صبرهم. لا شك أن مشكلة الإسكان في السعودية تنطلق من عنصرين مهمين، أولهما قيمة الأرض المرتفعة جداً، والأخرى تكاليف البناء التي تتزايد باطّراد. ولو استطاع المعنيون حلهما لانتهت المشكلة بالكامل من دون «لف ودوران على القرارات الأخيرة»، على أن يكون ذلك بمعالجات حقيقية ومباشرة وسريعة، وليس بالهروب نحو حلول اقل ما يقال عنها إنها صغيرة ولا تليق بالصندوق الذي اخذ على عاتقه حمل هم بناء وحدات للناس تسترهم وتستر أسرهم. فعلى الصندوق العزيز وعلى وزراة الإسكان ابتكار بعض الحلول التي يمكن أن تسهل إسكان السعوديين، قد يكون منها تقليص مساحات الأرضي المتاحة للبناء إلى 250 متراً و450 و500 متراً، بدلاً من المساحات الكبيرة التي انتهت بانتهاء زمنها وولت مع انتهاء المال من أيدي الناس؛ لكي تنخفض تكلفة سعر الأرض. إضافة إلى السماح للمواطنين بنقل القرض العقاري من الصندوق إلى احد البنوك التجارية لمن يريد الإسراع في الحصول على القرض، على أن يقوم البنك بوضع فائدة بسيطة على القرض، وتقوم الدولة بضمان القرض بضمان قرضه لدى صندوق التنمية. وكذلك التخفيف من شروط البناء لدى الصندوق التي لم تتغير منذ إنشائه والتي تشترط كميات ومساحات معينة من دون الالتفات إلى أن الدنيا تغيرت وصندوقنا العزيز لم يتغير. كما أن طرح مسابقة لمهندسين ودور دراسات سعودية وأجنبية لابتكار تصاميم وحدات للسكن الشعبي ذات تكلفة منخفضة، توجه لذوي الدخل المحدود بمساحات صغيرة لا يتعدى مسطح بنائها 150 إلى 200 متر. لأن الهرب من المشكلة من خلال إحباط الناس وتغيير القوانين على حساب أحلامهم يزيد المشكلة تعقيداً ولا يفكك عقدها. وبدلاً من تحميل الناس مسؤولية حل مشكلة سكنهم، على الصندوق ووزارة الإسكان تحمل هذه المسؤولية ليس ببناء الوحدات فقط، بل بتقديم منتجات وخيارات متعددة تأخذ في الحسبان مستويات المواطنين المعيشية ومتوسط دخلهم. [email protected]