بدا أمس أن الأزمة الليبية باتت على شفير النهاية. إذ أظهرت مفاوضات جديدة بين الحكم الليبي الجديد وقادة قبائل بني وليد أن دخول قوات الثوار هذه المدينة المهمة جنوب شرقي طرابلس يمكن أن يتم قريباً جداً وفي شكل سلمي بعدما قدّم كل من الجانبين تطمينات الى الطرف الآخر. وعزز من المؤشرات إلى إمكان تسوية وضع هذه المدينة، ومعها بقية المدن التي ما زالت موالية لنظام العقيد المخلوع معمر القذافي، ظهور تقارير واسعة النطاق عن وصول قافلة ضخمة تضم مناصرين للنظام السابق، وبينهم أحد أنجال القذافي، إلى النيجر ومنها إلى بوركينا فاسو التي أعلنت رفضها استضافة العقيد المهزوم والمطلوب من المحكمة الجنائية الدولية هو وابنه سيف الإسلام وعديله عبدالله السنوسي. وفيما دعت الخارجية الأميركية النيجر إلى اعتقال أنصار القذافي، ألقت تقارير وتصريحات لمسؤولين نيجرييين بظلال من الشك على وجود الزعيم الليبي السابق نفسه ضمن القافلة التي تردد أنها تضم ما بين 50 الى 200 آلية عسكرية. إلا أن مجرد وصول هذه القافلة الضخمة من مناصري العقيد إلى النيجر يوحي بأن النظام السابق يسعى إلى تجنّب خوض معركة تبدو محسومة سلفاً لقوات المجلس الوطني الانتقالي، وهو ما يرجح استسلاماً وشيكاً للمناطق التي ما زالت على ولائها للنظام المخلوع وعلى رأسها بني وليد وسبها والجفرة وسرت. كما كان لافتاً أن قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) لم تقصف قافلة مناصري القذافي المنسحبة إلى النيجر، الأمر الذي أطلق تكهنات بأنه كانت هناك موافقة مسبقة على عدم اعتراض القوات التي تنسحب جنوباً نحو الصحراء. وقال ناطق باسم «الناتو»، أمس، إن الحلف ليست مهمته ضرب المسؤولين في النظام السابق بل حماية المدنيين. ورجح مصدر مطلع ل «الحياة» أن يكون انسحاب قوات القذافي إلى النيجر يمهّد لإعلان تسوية سلمية تجنّب بني وليد وسرت وسبها معركة قد تترك تداعيات مستقبلية على العلاقات بين القبائل الليبية. وأشار إلى أن المفاوضين في شأن بني وليد هم أساساً من قبيلة الورفلة نفسها وينقسمون بين مؤيد للقذافي ومناهض له. وقال إن قبائل أخرى أرسلت في البدء قوات للمساعدة في اقتحام بني وليد عسكرياً تراجعت الآن تاركة حل قضية المدينة في ايدي قبائلها. غير أن انتقال قافلة مناصري القذافي إلى النيجر أثار مخاوف من أن يسعى العقيد المخلوع إلى إثارة اضطرابات في منطقة الساحل الافريقي، بعدما روّج المجلس الوطني الانتقالي لمعلومات أفادت بأن القافلة نقلت كميات ضخمة من الذهب والأموال بالعملات الأجنبية (الدولار واليورو). ولو صحّت هذه المعلومات فإن القذافي سيكون في حوزته ما يكفي من المال كي يواصل القيام بتصرفات تؤدي إلى زعزعة استقرار ليبيا نفسها وربما دول المنطقة. وأفيد، في هذا الإطار، بأن قافلة القذافي ضمت، إضافة إلى انصاره الليبيين، مقاتلين طوارق من دول الساحل قاتلوا إلى جانبه ضد الثوار قبل سقوط طرابلس نهاية الشهر الماضي. وحذّر جمعة القماطي المسؤول في المجلس الانتقالي، في تصريحات إلى هيئة الإذاعة البريطانية، من أن استضافة النيجر للقذافي، إذا ما صح ذلك، يمكن أن تترك تداعيات على العلاقات بين الدولتين الجارتين. لكن الحكومة النيجرية نفت أن يكون القذافي ضمن القافلة التي أفيد بأنها انطلقت من مدينة الجفرة التي ما زالت في يدي قوات النظام السابق إلى منطقة ايرليت الحدودية قبل أن تصل مع حلول مساء الإثنين إلى أغاديز الواقعة على بعد 950 كلم من العاصمة نيامي. وذُكر أن قوات حكومية نيجرية تولّت تأمين حماية عسكرية لقوات القذافي المنسحبة. وسبق أن أعلنت الجزائر انتقال زوجة القذافي صفية وابنته عائشة وابنيه محمد وهانيبال إلى أراضيها حيث تم توفير ملجأ لهم انطلاقاً من «دواع انسانية». ولم يُعرف عن محمد وهانيبال تورطهما في القمع الذي قام به نظام والدهما ضد المحتجين منذ اندلاع الثورة في شباط (فبراير) الماضي. وفقد القذافي نجله الأصغر سيف العرب في غارة لحلف «الناتو» على طرابلس في نيسان (ابريل) الماضي، في حين قُتل خميس الذي يقود كتائب أمنية شرسة بغارة أخرى شنتها طائرات حلف الأطلسي على قافلة لقواته خلال انسحابها الشهر الماضي من طرابلس بين ترهونة وبني وليد. ويقول الثوار اليوم إنهم باتوا متأكدين أن خميس القذافي دُفن في بني وليد. ولم يبق في ليبيا حالياً من أبناء القذافي سوى ثلاثة هم سيف الإسلام والساعدي والمعتصم. وأعلن الساعدي في تصريحات عدة في الأيام الماضية موقفاً مختلفاً عن موقف شقيقه سيف الإسلام الذي حض على مقاومة الحكم الليبي الجديد، بينما عرض الساعدي الاستسلام للثوار إذا كان في ذلك حقناً لدماء الليبيين. أما المعتصم فلم يدل بتصريحات صحافية على رغم أن تقارير ذكرت في السابق أنه أشرف على التصدي للثوار على الجبهة الشرقية في البريقة.