«لطالما تخيَّلتُ أن الفردوس سيكون مكتبة، على نحو ما»... عبارة الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس هذه كُتبت على لوح خشبي صغير فوق مكتبة تضمّ نحو ألفي كتاب أدبي ومعرفي. المكتبة ليست عامة أو منزلية، بل هي جزء من مقهى شعبي اسمه «قصيدة نثر»، يقع في ساحة «الشيخ ضاهر» في مدينة اللاذقية السورية. وقد افتتح عام 2008 كمشروع ثقافي غير ربحي، ثم أُتبِع بمساحة افتراضية على شبكة الإنترنت بعد تأسيس صفحته على موقع «فايسبوك» للتواصل مع رُوّاده وأصدقائه. ويُشير المقهى في صفحته إلى أنه يعتمد مالياً على «عائدات ما يُباع من مشروبات بسيطة يُقدّمها لضيوفه». وعُلِّقتْ على أحد جدران المقهى صور رُوّاده، إلى جانب صور شعراء وكتّاب ومفكّرين... «أقمنا لبعض أصحاب هذه الصور أمسياتٍ أدبية، وبعضهم الآخر قصد المقهى ليشرب فنجان قهوة لا أكثر»، يقول صاحب المشروع بريء خليل، الذي يشاركه فيه رامي غدير. ويشير إلى أن المقهى يُركّز في نشاطاته على فئات الشباب والنساء والأطفال. ويرى أن عوامل عدّة تمنع المقهى من أن يكون شعبياً، فبعض الذين مرّوا به لم يكرر زيارته اليتيمة، في حين يواظب آخرون على الحضور. إلا أن المقهى يبقى شعبياً بالتأكيد بالمعنى الثقافي، إذ أوجد مشهداً فنياً وأدبياً ذاع صيته أخيراً، لا سيما مع تخصيصه أحد جدرانه لتعليق ملف أدبي (نصف شهري)، يختص بنوع محددٍ من الأدب. فعلى سبيل المثال، تعرض مختارات من الكتاب العالمي «الأمير الصغير»، حيث يسرد مؤلفه أنطوان دوسانت أكزوبيري حكاية مخلوق ضئيل الحجم يزور سبعة كواكب. وقد يقترح أصدقاء المقهى أنفسُهم أفكاراً لهذا الملف، إلى جانب ما يخطر في بال خليل وغدير. كما يستقبل «قصيدة نثر» كل ما يُرسَل إلى صفحته على «فايسبوك» من مقاطع شعرية أو قصائد، وينشرها تباعاً، مُراعياً شروطاً فنية محددة، من دون التوقف عند شهرة الكاتب أو «تجريبيته». واستعان خليل بموقع «فايسبوك» للترويج للمقهى، كونَ هذا الموقع أصبح يتيح مجالاً للانتشار على نحوٍ واسع، بالتوازي مع إعلان مجانية النشاطات الثقافية. وتخضع النشاطات، من أمسيات ومعارض وحفلات توقيع، لانتقائية لا تُغْفِل الأمسيات «الخفيفة ثقافياً»، والتي يُسنَد تقديمُها إلى الشباب بهدف تشجيعهم وإتاحة الفرصة أمامهم لقراءة إنتاجهم الأدبي. وأقام المقهى (أحد الفروع الاحتياطية الخمسة لمشروع «روافد» - «الإدارة الثقافية») عدداً من ورشات العمل، منها ورشة ترجمة أشرف عليها المترجم السوري ثائر ديب، واستمرت شهراً، وورشة أخرى لكتابة السيناريو بإشراف السيناريست والروائي السوريّ خالد خليفة. كما أقام «قصيدة نثر» دورات لغوية مجانية لتعليم الإنكليزية والفرنسية، إضافةً إلى التركيز على الاحتفاء بملفات شعرية خاصة، كشِعر المرأة، ونصوص الأطفال التي كُتِبت بأقلامهم، كما مؤلَّفات ومطبوعات عدة، نذكر منها: غيمة الشعر الوردية، الحُبّ بأقلام الأطفال، رجلي فوق وأمشي على يدي (كتبها أطفال لاجئون من العالم العربي). وحاول المشروع أيضاً إحياءَ فن الرسوم المتحركة التي أثّرت في تشكيل وعي الأطفال، وإحياء الذاكرة الأدبية الكلاسيكية (جلجامش، دون كيشوت...)، إلى جانب طرح ملفّات خاصة بالشِّعر الآسيوي والأفريقي والأوروبي، والشعر العربي الحديث، خصوصاً قصيدة النثر. ومن النشاطات التي نظمها المقهى، معرض التصميم الإعلاني بعنوان «إذا بحكي بتسمعني؟» للفنان ميّاد خليلي الذي عالج قضية العنف ضد المرأة، وأمسية شعرية للشاعرة السورية المقيمة في لندن ندى منزلجي. وقد فتح المقهى أبوابه أمام الجمعيات الأهلية لترويج نشاطها وعملها بين رواد «قصيدة نثر»، وتعاونَ أكثرَ من مرة مع المركز الثقافي الفرنسي في سورية لإقامة نشاطات مشتركة. كما يستقبل الزوار مُتيحاً لهم مختلف المصادر الثقافية من مكتبته، بنظامِ مطالعة مجانية.