تعتبر قضية السجون من أكثر القضايا الاجتماعية والإنسانية تعقيداً وحساسية، لا سيما في دول العالم الثالث أو الدول التي ترتفع فيها معدلات الجريمة بمختلف درجاتها. فالسجون تضم نماذج من مختلف شرائح المجتمع في مكان واحد محدد وضمن بيئة ضاغطة، عدا عن جمعها بين أصحاب الجنح البسيطة مع أصحاب الجنايات الكبيرة وجرائم القتل. هذا الأمر يفاقم حجم مشكلة السجون كونها تصبح مكاناً يسوده نوع من الفوضى الأخلاقية بعيداً عن المبادئ الإنسانية الأساسية. ويزداد الأمر صعوبة في لبنان حيث تتداخل الشؤون الاجتماعية والقانونية مع المشاكل السياسية، مما يمنع من قيام خطة واضحة المعالم أو الأهداف في شأن النهوض بالسجون. أضف إلى ذلك الخلط القائم بين «عقوبة السجن» و «مؤسسة السجن» وعدم التمييز بينهما، مما دفع بمعظم الدراسات القائمة على قضية السجون إلى التركيز على كونها مؤسسة إعادة تأهيل الأشخاص داخلها، وإهمال كونها مكاناً لقضاء عقوبة تشكل رادعاً لعدم تكرار الأفعال التي تؤدي بأصحابها إلى السجن. هذا ما يعالجه كتاب «التأهيل الاجتماعي وقضاياه – أنموذج السجون اللبنانية» لمؤلفه كمال عبد الرحمن كريدية والصادر حديثاً عن دار النهضة العربية - بيروت. تتمحور الدراسات والأبحاث حول محاولات إصلاح الخلل الذي لا يمكن رؤيته إلا في المؤسسة بسبب الفهم التقني الذي يخلط بين القضايا النظرية. فعلى رغم توسيع السجون وزيادة عددها، فإن عدد الجرائم لم ينخفض وعدد المجرمين في ازدياد مستمر، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأشخاص الذي يكررون ارتكابهم للأفعال المنافية للقوانين. وبالتالي، يتم تكوين فكرة أن السجن والاعتقال يستثيران التكرار ويصبح حظ المسجون بالعودة إلى سجنه أكبر. فبدلاً من أن يكون السجن مؤسسة تعيد إطلاق أناس صالحين، يتحول إلى مكان لإطلاق جانحين خطيرين على المجتمع يشكلون داخله بذور جرائم وفساد. ومع مرور الوقت، تتحول السجون إلى أمكنة لتفريخ المجرمين الذين يؤسسون داخله مجتمعاً خاصاً له ثقافته الخاصة التي تقوم على تحدي القوانين والتحايل عليها.