تنطلق في جزيرة الليدو في مدينة البندقية الإيطالية الأربعاء المقبل، الدورة الثامنة والستون لمهرجان البندقية السينمائي الدولي. ويأتي انعقاد الدورة الحالية من «الموسترا»، (أي المعرض الدولي للفن السينمائي) في ظل أوضاع اقتصادية إيطالية عسيرة للغاية دفعت الكثير من المحللين في الأسابيع القليلة الماضية إلى الاعتقاد بإفلاس إيطاليا على شاكلة ما حدث في اليونان، ما أرغم الحكومة والمعارضة على التحرّك السريع لاستنباط المخارج لإنقاذ البلاد من الكارثة الاقتصادية، وعمدت الحكومة إلى إجراء تقليصات واستقطاعات كبيرة في قطاعات الإنفاق في شكل عام، وبالذات في القطاع الثقافي الذي تشكّل بيينالة فينيسيا، ومهرجاناتها المختلفة، رأس الزمرّد الأساسية فيها. دورة التحدي في دورة هذا العام من مهرجان البندقية سيل من النجوم الذين يضمنون النجاح لأي مهرجان وتحلم بحضورهم أية تظاهرة سينمائية كبيرة. وعلى رغم أنّه ليس واضحاً بعد ما إذا كانت هذه الدورة، الثامنة والستون، هي الأخيرة بإدارة ماركو موللر، فإن ما هو مؤكد أن الرجل أعد برنامجاً، يبدو، على الورق على الأقل، أفضل ما أنجز حتى الآن منذ تولّيه إدارة المهرجان. وقد تكون مصادفة الرقم 68 هي محرّك هذا الوضع، فبعد أن كانت أحداث الثورة الطالبية والشبابية في أيار (مايو) 1968 محرّكاً ومحفّزاً لميلاد نوع جديد من السينما في إيطاليا وقراءة متجددة للآصرة معها، تبدو هذه الدورة، التي تحمل الرقم 68 بالمصادفة، دورة التحدّي السينمائي الذي يحاول الالتفاف على المصاعب المالية والتنظيمية واللوجستية، وهي دورة تحت عنوان السينما الكبيرة. وكما أسلفنا، فإن نظرة إلى قائمة النجوم الذين سيمرّون على البساط الأحمر الفينيسي، هذا العام، توحي بأنّ الأيام الأحد عشر في جزيرة الليدو ستكون حافلة بالأعمال المهمة والكبيرة، والمتميّزة. وستكون البداية مع إسمين كبيرين في عالم التمثيل والإخراج، إذ سيفتتح ليلة العرض الأولى في الصالة الكبرى الشريط الثاني لجورج كلوني مخرجاً، ويُنتظر أن يسجل هذا النجم مفاجأة، بالضبط كما سجّل قبل بضعة أعوام عندما عرض في فينيسيا بالذات شريطه المتميّز «طابت ليلتكم وحظاً سعيداً» والذي تحدّث فيه عن نوع خاص من الأداء الإعلامي التلفزيوني المستقل والرافض لمنطق الإملاءات الفوقية لمالكي أجهزة الإعلام، دولاً كانت أم أشخاصاً. إنه نوع من الإعلام الذي لم يعد موجوداً اليوم على رغم الأهمية المطلقة التي يملكها الإعلام، وبالذات التلفزيوني، في حياة الشعوب وفي مستقبل العالم في شكل عام. كلوني، سيفتتح المهرجان إذا بفيلمه The Ides of March حيث إضافة إلى إخراجه العمل، يؤدي فيه دور البطولة إلى جانب رايان غوستينغ وفيليب سيمور هوفمان وبول جامّاتي وماريسا توميي وإيفان راشيل وود. وسيتبع كلوني في اليوم التالي العمل الجديد للمخرج البولندي الأصل رومان بولانسكي الذي سيعرض في المسابقة الرسمية عمله الجديد Carnage ولن يتمكّن بولانسكي من الحضور، وسيكون، كما هي العادة في هذه الحالات، الغائب الأكثر حضوراً في المهرجان، إذ ستُعيد الصحافة فتح ملف الاتهامات التي وُجّهت إليه والحكم القضائي الذي صدر بحقه وأدخله السجن وأجبره على الإقامة الجبرية بسبب الاعتداء على قاصر أميركية. وسيحمل شريط بولانسكي الأخير أسماء عدد كبير من نجوم هوليوود في مقدّمهم جودي فوستر وكيت وينسليت وكريستوف وولتس وجون سي رييلّي. وسيكون يوم الخميس الأول من أيلول (سبتمبر) يوم الصرعات الكبيرة، حيث سيتبع فيلم بولانسكي بدقائق الشريط الثاني لمادونا مخرجة، إذ ستعرض خارج المسابقة الرسمية شريطها «دبليو إي»، ويؤدي بطولته آندريا ريسيبورو وآبيي كورنيش وجيمس داركوري وأوشكار إيسّاك. ولن يخلوَ اليوم التالي، أي الجمعة، الثاني من أيلول، من النجوم والأفلام المثيرة وسيكون يوم الثنائي الأكثر شهرة في السينما العالمية اليوم، أي مونيكا بيلّوتشي وزوجها الفرنسي فينسانت كاسّيل، إذ سيُعرض فيلم «الأسلوب الخطر» لديفيد كروننبيرغ، من بطولة فينسينت كاسّيل وكييرا نايتلي وفيغّو مورتينسون ومايكل فاسبيندر وفينسانت كاسّيل. وسيلي ذلك فيلم المخرج الفرنسي المتميّز فيليب غارّيل «صيف حارق» وهو من بطولة مونيكا بيلّوتشي إلى جوار نجل المخرج، الممثل لويس غارّيل الذي شهد ميلاده الفني بالذات في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي بعد أن اكتشفه المايسترو الكبير برناردو بيرتولوتشي وأسند إليه دور البطولة في فيلمه الشهير «الحالمون». من أميركا الى ايطاليا عطلة نهاية الاسبوع الأولى في المهرجان، أي السبت، الثالث من أيلول خصصها ماركو موللر للسينما الأميركية، إذ سيعرض شريط ديفيد سوديبيرغ الأخير Cntagion من بطولة مات ديمون وكيت وينسليت وماريون كوتييار وغوينيث بالترو ولورينس فيشبرون. وخصص ماركو موللر يوم الأحد للسينما الإيطالية، فيعرض العمل الجديد لإحدى أهم الطاقات السينمائية الإيطالية إيمانويلي كرياليزي الذي برز في مطلع العام ألفين، وقدّم في فينيسبا بالذات قبل بضعة أعوام عمله الجميل «العام الجديد». كرياليزي، وهو أحد مخرجين إيطاليين يعرضان ضمن المسابقة الرسمية في هذه الدورة، سيعرض شريطه الجديد «تيرّا فيرما». وسيزدان الأحد الفينيسي بحضور النجم الكبير آل باتشينو الذي سيقدّم عمله Wild Salomè ويُختتم النهار بفيلم Shame لستيف ماكوين من بطولة مايكل فاسبيندر وكيري مولّيغان. وستشهد أيام الأسبوع الثاني عدداً آخر من النجوم مثل غيري أولدمان وكولين فيرث وميا فارّو، كما ستُعرض أعمال مخرجين تُرتقب أعمالهم في شكل كبير مثل تود سولوندز الذي سيعرض شريطه الجديد «الجواد الأسمر» من بطولة ميا فارّو وكريستوفر وولكن وجوستين بارث وسيلما بلير. «اسد الحياة الفنية» لبيلّوكيو وربما تكون مصادفة، وهي ليست كذلك بالتأكيد، أن تُمنح جائزة «الأسد الذهبي للحياة الفنية» إلى أحد رموز السينما الجديدة التي وُلدت في أعقاب ثورة الشباب والطلبة في عام 1968، وستكون الجائزة هذا العام أكثر من مُستحقّة، لأنها ستُسلّم في 9 ايلول إلى المخرج الإيطالي الكبير ماركو بيلّوكيو تقديراً لما حققه في السنوات الأربعين الماضية في السينما الإيطالية والأوروبية. وتتزامن هذه الجائزة هذه السنة مع صدور النسخة المُرمّمة من فيلمه الشهير «قبضات مضمومة»، والتي أنجزها الأرشيف الوطني للسينما بالتعاون مع سينماتيك مدينة بولونيا. ماركو بيلّوكيو، الذي شغل عضوية لجنة تحكيم مهرجان «كان» السينمائي الدولي، قدّم في السنين الأخيرة عدداً من الأفلام التي تناولت منعطفات تاريخية مهمة في الماضي الإيطالي القريب بنظرة خاصة أعادت فتح الكثير من الملفات، من بينها ملف اختطاف الزعيم الديموقراطي المسيحي الإيطالي آلدو مورو واغتياله من جانب منظمة الألوية الحمر اليسارية المتطرّفة في عام 1978، وجاء فيلمه «صباح الخير أيها الليل» من بطولة النجم روبيرتو هيرليسكا قراءة حاذقة لمرحلة وسمت التاريخ الإيطالي الحالي بتأثيراته العميقة.