يمكن الداء السكري أن يترك مضاعفات كثيرة ينثرها في الجسم هنا وهناك من بينها تلك التي تمتد إلى العين لتطاول كل أجزائها، بدءاً بالقرنية، مروراً بالقزحية والعدسة البلّورية، وانتهاء بالشبكية. ويعتبر اعتلال الشبكية السكري من المضاعفات الخطيرة للداء السكري لأنه إذا لم يعالج في الوقت المناسب فقد يسبب تدهوراً على صعيد الرؤية لا يمكن إصلاحه، وقد يتطور الأمر إلى الإصابة بالعمى التام. ويعد اعتلال الشبكية السكري من أشيع أسباب العمى عند البالغين من عمر 30 إلى 60 في الدول الصناعية، ويشاهد هذا الاعتلال عادة في العينين، وكلما كان الشخص المصاب بالسكري أصغر سناً أو كلما طالت فترة الإصابة بالسكري زاد خطر التعرض لاعتلال الشبكية. وتفيد الإحصاءات بأن 2 في المئة من المصابين بالسكري يعانون من الاعتلال بمرور 15 سنة على بداية الإصابة بالداء السكري. وطبعاً هناك عوامل أخرى من شأنها أن تزيد معدل حدوث اعتلال الشبكية مثل ارتفاع أرقام ضغط الدم، وعدم ضبط مستوى السكر في الدم، والتدخين، وزيادة الدهون ، والحمل، واعتلال الكلية. ويحدث اعتلال الشبكية السكري عندما يبدأ المرض بضرب الأوعية الدموية الدقيقة في الشبكية، إذ يؤدي الارتفاع المزمن لمستوى السكر في الدم إلى تلف هذه الأوعية، فتحصل فيها تداعيات على شكل تضيقات وتوسعات، وتزداد قابلية جدرانها لعبور السوائل، وقد تنفجر التوسعات مسببة نزفاً في قاع العين، وفي المراحل المتقدمة من الاعتلال تنمو أوعية دموية جديدة غير طبيعية تعرقل عملية الإبصار الصحيحة، وعندما تسوء الأمور تتشكل التليفات في الشبكية الأمر الذي يؤدي الى انفصال هذه الأخيرة، وفي هذه المرحلة يصبح العلاج صعباً للغاية. كيف يتظاهر اعتلال الشبكية السكري؟ إن الغالبية العظمى من المصابين باعتلال الشبكية السكري لا تشكي من عوارض تذكر في المراحل الأولى من المرض، لكن مع تطور المرض يشكو المصاب من الأعراض الآتية: ضعف النظر المفاجئ أو التدريجي. صعوبة الرؤية في الليل. صعوبة في الرؤية المحيطية. مشاهدة الذباب الطائر في المجال البصري. الومضان المفاجئ. الوجع داخل مقلة العين. الحاجة إلى تبديل النظارات الطبية في شكل مستمر. ما العلاج؟ قبل البدء بالعلاج، نشير إلى جملة من النصائح والإرشادات الخاصة والعامة التي يمكن الأخذ بها من أجل تفادي اعتلال الشبكية أو للحد من أخطاره ومن هذه النصائح: 1- ضبط سكر الدم في شكل صارم ومنتظم ومستمر، لأن كلما زاد مستوى السكر في الدم زادت تأثيراته في أعضاء الجسم خصوصاً الشبكية. فقد كشفت دراسة أجراها المعهد القومي الأميركي بأن المرضى الذين يحافظون على مستوى السكر في الدم ضمن المعدل الطبيعي هم أقل تعرضاً للإصابة بمرض الشبكية السكري مقارنة مع المرضى الذين يبقى لديهم مستوى السكر مرتفعاً عن المعدل الطبيعي. 2- إجراء الكشف الدوري على العين لرصد أقل التغيرات التي تحصل، ويجب أن يتم الكشف من قبل أشخاص مدربين وفق برنامج مخصص ودقيق. 3- كشف عوامل الخطر ومحاربتها بالتي هي أحسن. 4- الإبلاغ عن أية تغييرات في النظر. وعندما تحصل التبدلات في الشبكية نتيجة الداء السكري فقد يوصي الطبيب بالعلاج بواسطة الليزر إذا رأى أنه نافع للمحافظة على ما تبقى من القدرة البصرية أو من أجل منع المزيد من المضاعفات. والعلاج بأشعة الليزر من أهم الطرق لعلاج اعتلال الشبكية المتطور، وهو يهدف بالدرجة الأولى إلى السيطرة على نمو الشعيرات الدموية غير الطبيعية، وإزالة الارتشاحات والتورمات خصوصاً في مركز الإبصار. ولكن قبل الشروع بالعلاج الليزري يتطلب الأمر إجراء فحوص عينية من بينها تصوير الأوعية الدموية في الشبكية بصبغة الفلوراسين، ولعمل هذا الفحص يحقن المصاب بصبغة تودع في وريد الساعد، وعند وصول هذه الصبغة الملونة إلى العين يتم التصوير بكاميرا خاصة تلتقط صوراً للأوعية الدموية للشبكية تبين التغييرات الحاصلة فيها، وبالتالي لتحديد الأماكن التي يجب رشقها بالليزر. ومن المفيد أن يعرف المرضى أن نوع الليزر المستعمل في علاج اعتلال الشبكية يختلف عن النوع المستخدم في تصحيح النظر. ومن باب العلم فإن العلاج بالليزر لا يسبب ضعف النظر كما يشاع عند البعض، وقد بينت الدراسات أن إبقاء اعتلال الشبكية السكري المتطور على حاله يؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى تدهور المرض أسوة بأولئك الذين تلقوا العلاج. وعلى صعيد العلاج أفادت البحوث الطبية السريرية أن حقن مادة الكورتيزون داخل العين يمكن أن يساعد وفي شكل ملحوظ في علاج اعتلال مركز البصر الارتشاحي خصوصاً في الحالات المزمنة التي فشل الليزر في مداواتها. وحديثاً تم اللجوء إلى حقن الأدوية المثبطة لعامل نمو الأنسجة الوعائية الدموية، ومكنت هذه الأدوية من وقف نمو الأوعية غير الطبيعية والتقليل من اعتلال مركز البصر الارتشاحي. وفي الختام، إن اعتلال الشبكية السكري مرض خطير للغاية، لأنه يمكن أن يصل إلى مرحلة متقدمة من دون أن يشكو المصاب من أية عوارض تذكر، من هنا تبدو أهمية المتابعة وعمل الفحوص الطبية الدورية لمرضى السكري من قبل طبيب العيون لفحص قاع العين، وبالتالي رصد بعض الإشارات التي يمكن أن تنبئ باحتمال وقوع الاعتلال، وعلى ضوء هذا الفحص تتخذ التدابير الكفيلة بإيقاف الداء عند حده والحفاظ على قدرة المريض على الإبصار. [email protected]