إذا كانت الوقائع والهزائم المتوالية أثبتت خطأ دعاوى المنتمين إلى الفكر الضال بأنهم يجيدون الكر والفر والمراوغة لتحقيق أهدافهم، فإن وقائع جلسات محاكمة المتهمين بالإرهاب داخل السعودية أكدت براعتهم في المراوغة وادعاء الجهل لتأخير بت تلك القضايا المهمة، خصوصاً أن القضاة يحرصون على إتاحة الفرصة كاملة أمامهم لدفع التهم الموجهة إليهم... وهكذا، فإن القضية الواحدة تمتد، بسماع المتهمين لائحة الاتهامات والرد عليها ومناقشتها وإحضار الشهود ومضاهات الوثائق، أكثر من سنة ونصف السنة. ويبدي كثير من المتهمين جهلاً بقضيته حتى بعد توقيعه على تسلّم لائحة التهم من المحكمة، من حيث تحرير دعواه ضد التهم، أو فصل الردود في بعض التهم عن الآخر، فيجيبه المدعي العام بأن هذا الأمر عادي، فيما تدخل القضية مرحلة النقاش الفرعي حول هذه الجزئية أو تلك، خصوصاً أن وزارة العدل وضعت خيارات أمام كل متهم في الدفاع عن نفسه، بينها التكفل بأتعاب محامي الترافع عن المتهمين. ويعطي قاضي الجلسات في المحكمة الجزائية فرصة للمدعي العام والمدعى عليه للحديث حول القضية، لا سيما أن عدداً منهم لا يعرف كيفية تحرير دعواه كتابة، وبالتالي يعد جاهلاً بالدعوى، فيضطر المتهم إلى الرد على القاضي شفوياً وهو في حال غضب واندفاع، ثم يستبدل الأمر من جديد بتوكيل محامٍ للترافع عنه، وشرح القصة له، الأمر الذي يؤدي إلى تأخير مسار القضية، وبالتالي تأخر النظر في قضايا المتهمين الآخرين. وخارج نطاق النزاع، يسترسل الخصوم في القضايا، وفي اللغة، بحيث يتحول الأمر إلى متاهات موغلة، يناقش في البداية القضية، ثم يراوغ في الإجابة عن أسئلة القاضي، أو يفتعل مشاجرة معه، وينتهي وقت الجلسة وفق الدوام الرسمي للمحكمة. وفي رد احد المتهمين على شهادة احد الشهود أمام المحكمة حاول المتهم في قضية «خلية الاستراحة» تقديم رده مكتوباً على أوراق مكتب محامٍ، وطلب من القاضي السماح له بطرح بعض الأسئلة، فاستجاب لطلبه، إلا أن المتهم راوغ بطرح عدد كبير من الأسئلة «الجانبية» التي لا تخدم القضية، ولم يدونها القاضي على ورقته الهامشية التي تصاغ في ما بعد في ملف القضية. وقال القاضي للمتهم: «هذه الأسئلة لا تفيد بشيء، ولا بد من تخصيص جلسة استماع لك وحدك، على رغم أن الجلسة تضم عدداً من المتهمين». ويخرج معظم المتهمين خلال مثولهم أمام المحكمة عن نطاق الدعوى بطلبات جديدة تعرقل سير المحاكمة، كأن يطلب بعضهم من القاضي الموافقة على إتمام زواجه! أو إنهاء خدمات محاميه وتمكينه من البحث عن محامٍ آخر.