دمشق، لندن، بروكسيل، موسكو - «الحياة»، أ ف ب، رويترز - تظاهر عشرات الآلاف في مدن وبلدات سورية عدة أمس، في إطار دعوة أطلقها ناشطون تحت عنوان «جمعة بشائر النصر»، فيما قُتل أكثر من 22 شخصاً وجرح العشرات برصاص الأمن والجيش، رغم إعلان الرئيس السوري بشار وقف عمليات قواته. وفي وقت تعد الولاياتالمتحدة ودول أوروبية مشروع قرار يفرض عقوبات على النظام السوري لطرحه على مجلس الأمن خلال أيام، أعلن الاتحاد الأوروبي توسيع نطاق العقوبات. وتمسكت روسيا برفضها الدعوات إلى تنحي الأسد أو فرض عقوبات جديدة، فيما كررت تركيا دعوتها إلى وقف العنف وأحجمت عن مطالبة الرئيس السوري بالتنحي. واتسع نطاق الاحتجاجات أمس جغرافياً. وأظهرت عشرات الشرائط المصورة على الإنترنت تظاهرات متفاوتة الأحجام في مدن وبلدات عدة، خصوصاً في دمشق وحلب وحمص ودرعا وإدلب وحماة ودير الزور وأريافها، إضافة إلى تفريق تظاهرات بإطلاق الرصاص عليها في حلب ودرعا، ودوريات مشتركة بين الجيش وميليشيات «الشبيحة» في حمص تطلق النار عشوائياً وتهتف للأسد. وأحصى ناشطون حقوقيون 22 مدنياً بينهم طفلان، قتلوا أمس برصاص قوات الأمن. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن «15 شخصاً قتلوا في ريف درعا، بينهم ستة بالغين وطفلان في مدينة غباغب وخمسة أشخاص في الحراك وشخص في انخل وآخر في نوى عندما اطلق رجال الأمن النار لتفريق تظاهرات». وأشار إلى سقوط «جرحى حالة أكثرهم حرجة في الحراك التي تشهد إطلاق نار كثيفاً وفي انخل». وقال إن «قوات الأمن أطلقت النار على متظاهرين في غباغب ما أدى إلى جرح ثلاثة منهم». وأكد أن «شخصاً قتل في حرستا (ريف دمشق) عندما أطلقت قوات الأمن الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين». وقال ناشط آخر من مدينة حمص إن «ثلاثة أشخاص قتلوا بينهم شخص في حي القرابيص وآخر في حي بابا عمرو وثالث في حي جوبر». وهتف محتجون في حمص: «يا بشار باي باي... بدنا نشوفك في لاهاي»، في إشارة إلى مقر المحكمة الجنائية الدولية. ولفت المرصد إلى أن «تظاهرات خرجت في معظم أحياء حمص للمطالبة بإسقاط النظام أضخمها كانت في حي الخالدية ضمت نحو عشرين ألف متظاهر». وأشار إلى «إطلاق نار كثيف في حيي باب الدريب والميدان وأحياء أخرى لم يمكن تحديدها»، لافتاً إلى «حملة مداهمات للمنازل واعتقال متظاهرين في حي الميدان وكرم الشامي». لكن وكالة الأنباء الرسمية «سانا» أعلنت مقتل شرطي ومدني وجرح اثنين من عناصر مخفر غباغب في ريف درعا «بنيران مسلحين هاجموا المخفر بالإضافة إلى سقوط شهيدين من عناصر قوات حفظ النظام وإصابة أربعة آخرين برصاص مسلحين يطلقون النار عشوائياً في شوارع حرستا». أما في غرب البلاد، فذكر المرصد أن «المصلين خرجوا من جامع الفتاحي في اللاذقية في تظاهرة انقضت عليها مجموعات الشبيحة بسرعة لتفريقها بينما خرجت تظاهرة في حي الميدان في بانياس تطالب بإسقاط النظام رغم التواجد الأمني الكثيف». وتحدث عن «انتشار امني كثيف» في دير الزور (شرق) التي أعلن الجيش السوري خروجه منها. وفي دمشق، قال المرصد إن «رجال الأمن اطلقوا النار بكثافة على تظاهرة خرجت في حي القدم» مشيراً إلى «سقوط جرحى» من دون أن يتمكن من تحديد عددهم. وأشار إلى أن «وحدات من الجيش والأمن دخلت حي القابون وانتشرت في شكل كثيف أمام المساجد وتقوم سيارات الأمن بعناصرها المسلحة بالعتاد الكامل بدوريات في الحي لمنع خروج التظاهرات»، كما «خرجت تظاهرة في حي الحجر الأسود تهتف: يا حماة إحنا معاكي للموت ويا دير الزور إحنا معاكي للموت والشعب يريد إسقاط الرئيس». وفي شمال شرقي البلاد، ذكر الناشط الحقوقي حسن برو أن «خمسة آلاف متظاهر خرجوا في مدينة القامشلي وأربعة آلاف في مدينة عامودا للمطالبة بإسقاط النظام». وأشار إلى أن «التظاهرات تمت ضمن وجود أمني كثيف»، من دون أن يشير إلى تدخل أمني أو اعتقال. وكشف أن «اتحاد التنسيقيات الكردية اعلن عدم الاحتفال بعيد الفطر في جميع المناطق الكردية ونالت هذه المبادرة تأييد الأحزاب الكردية». وفي نيويورك، أكدت الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية الأعضاء في مجلس الأمن، بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال، أنها ستتبنى معاً طرح مشروع قرار يتضمن عقوبات دولية على النظام السوري قد يتطرق أيضاً إلى توصية المفوضة العليا لحقوق الإنسان نافي بيلاي لمجلس الأمن بإحالة الوضع في سورية على المحكمة الجنائية الدولية بسبب «ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان على نطاق واسع». وقالت مصادر اوروبية إن مشروع القرار الذي صاغته بريطانيا سيطرح على باقي أعضاء المجلس مطلع الأسبوع المقبل ولن ينتظر عودة البعثة الإنسانية الأولى للأمم المتحدة التي تصل دمشق اليوم للإطلاع ميدانياً على المناطق التي طالها العنف وقمع التظاهرات. وقللت من تأثير الموقف روسيا الرافض للعقوبات، مؤكدة أنه «أقل حدة من معارضتها المعهودة لاتخاذ إجراءات في مجلس الامن ضد سورية». وتعارض روسيا والصين طرح مشروع قرار في مجلس الأمن أو إحالة الوضع في سورية على المحكمة الجنائية الدولية. وتحبذ روسيا والصين الهند وجنوب افريقيا والبرازيل انتظار عودة البعثة الإنسانية للأمم المتحدة من دمشق. وأعلنت مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية فاليري آموس أن البعثة ستزور سورية لمدة أربعة أيام. وأشارت إلى أن الأممالمتحدة حصلت على ضمانات من السلطات السورية بحرية الوصول الى أي منطقة نريدها». وأضافت: «سنركز على الأماكن التي شهدت قتالاً بحسب التقارير، وسترافق البعثة خلال عملها فرق من الهلال الأحمر السوري». وفي لاهاي، صرح المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو انه تلقى تقارير عن انتهاكات لحقوق الانسان في سورية لكنه لا يستطيع «في الوقت الحاضر» فتح تحقيق بشأنها لأن دمشق لا تعترف بالمحكمة. واوضح اوكامبو انه يمكنه فقط فتح تحقيق في جرائم محتملة ضد الانسانية بناء على طلب مجلس الأمن، مشيراً الى ان اطرافا مختلفة ارسلت اليه تقارير «عن اعتقالات عشوائية وعن قتل وتعذيب المتظاهرين». وعبرت وزارة الخارجية الروسية أمس عن معارضتها للدعوات الأميركية والأوروبية إلى تنحي الرئيس الأسد، مشيرة إلى أنها ترى أنه يحتاج وقتاً لتنفيذ الإصلاحات التي وعد بها. ونقلت وكالة «انترفاكس» للأنباء عن الناطق باسم الوزارة الكسندر لوكاشيفيتش قوله: «لا نتفق مع وجهة نظر الولاياتالمتحدة وأوروبا في ما يتعلق بالرئيس بشار الأسد وسنواصل الدفاع عن موقفنا المبدئي في شأن سورية». واعتبر أن «الأهم هو إعلان الأسد (أول من) أمس وقف جميع العمليات العسكرية. هذه خطوة مهمة للغاية وتؤكد نية الأسد والسلطات السورية المضي في مسار الإصلاحات... على المعارضة أيضاً أن تدخل في حوار مع السلطات وتنأى بنفسها عن المتطرفين». ورأى أن «أموراً كثيرة تمت باتجاه تطبيق الإصلاحات الاتجاه، ويتعين إقرار قوانين ملائمة وإعلان عفو عن المعتقلين السياسيين وإجراء انتخابات بحلول نهاية السنة». من جهتها، أكدت تركيا أنها غير مستعدة حتى الآن للدعوة إلى تنحي الرئيس السوري، لكنها كررت مطالبتها بوقف القمع الدامي في سورية «فوراً». وقال مصدر حكومي تركي أمس طالباً عدم كشف هويته: «لم نصل إلى هذا الحد بعد... على الشعب السوري أولاً أن يقول للأسد أن يرحل. المعارضة السورية غير موحدة ولم نسمع إلى الآن أي دعوة جماعية من السوريين تقول للأسد أن يرحل، كما حصل في مصر وليبيا». وفي بروكسيل، قال ديبلوماسيون أوروبيون إن حكومات الاتحاد الاوروبي وافقت أمس على زيادة عدد المسؤولين السوريين والمؤسسات السورية التي تستهدفها عقوبات الاتحاد ووضعت خططاً لاحتمال فرض حظر نفطي. ووافق سفراء الاتحاد اثناء اجتماع أمس على إضافة 15 شخصا وخمس مؤسسات إلى قائمة الكيانات المستهدفة بالفعل بعقوبات أوروبية تشمل تجميد الاصول وحظر السفر، وستقدم القوائم الجديدة للحصول على موافقة رسمية خلال أيام. وطلب السفراء من جهاز الخدمة الديبلوماسية للكتلة الأوروبية إعداد خطط لمزيد من الإجراءات. وقال ديبلوماسي: «دعا السفراء جهاز الخدمة الديبلوماسية والمفوضية الاوروبية إلى تطوير خيارات لمزيد من العقوبات... خصوصاً احتمال فرض حظر نفطي». وكانت العقوبات الأولية شملت 35 شخصاً بينهم الاسد واستهدفت شركات ذات صلات بالجيش مرتبطة بقمع الاحتجاجات. لكن العقوبات الجديدة «يمكن ان تشمل شركات مرتبطة بالنظام وليس فقط تلك المشاركة في القمع، ويمكن ان تستهدف قطاعي البنوك والاتصالات وايضا النفط»، بحسب ديبلوماسيين.