الوضع الاقتصادي في مصر صعب، والأيام المقبلة لا تبشر بالخير. الاحتياطي النقدي يقترب من مرحلة الخطر. توقف عجلة الإنتاج تماماً في مصانع الغزل والنسيج. تباطؤ الاقتصاد في أعقاب الثورة يرفع نسبة البطالة إلى أكثر من 11 في المئة. نسبة كبيرة من العاملين في مجالي السياحة والخدمات فقدت وظائفها. الوضع «الفضائي» بلغ أقصى درجات الانتعاش، والأيام المقبلة تبشر بالمزيد. عدد القنوات يقترب من مرحلة التشبع. تسارع في عجلة إنتاج برامج الحوار للحاق بسباق العيد والتجهيز للانتخابات. فرص عمل لم يسبق لها مثيل في المجال التلفزيوني لمن يمتلكون خبرة. ظاهرة في منتهى الغرابة تلك التي يعايشها المصريون، الذين إن لم يئنوا مباشرة تحت وطأة الاقتصاد المتباطئ، لا ينامون الليل قلقًا مما يمكن أن يسفر عنه هذا التباطؤ على المدى المتوسط. فعلى رغم الكم المذهل من الأخبار والتحليلات والتحقيقات التي تهلّ عليهم من كل صوب حول شبح الإفلاس المحدق في الأفق، ووحش الاستدانة المنتظر على الباب، وغول العوز المهيمن على أحاديث الخبراء، إلا أنهم يجدون أنفسهم يبذلون جهداً كبيراً في الضغط على أزرار الريموت كونترول. فعدد القنوات الفضائية التي يجدونها حطت الرحال على هذا التردد أو ذاك في زيادة مضطردة، وكمّ القنوات التي تخرج من رحمها قنوات أخرى شقيقة متخصصة في الحوارات أو السجالات، أو حتى السخافات، يكاد أن ينذر بانفجار سكاني «فضائي». وبصرف النظر عن الأسباب الحقيقية لإطلاق هذا الكم من القنوات، فإن التناقض بين الحديث عن عجلة الإنتاج المولدة للرزق الموشكة على التوقف وعجلة البث المولدة للبرامج والحوارات الموشكة على الانفجار من فرط التخمة، مثير للتعجب، إن لم يكن للشك والريبة. في نيسان (أبريل) الماضي كانت إحدى ثمار الثورة إعلان الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة (الجهة المناط بها إصدار تراخيص القنوات الفضائية الخاصة) إلغاء بند الاستعلام الأمني عن المصريين الراغبين في إنشاء القنوات الفضائية، وكذلك إلغاء اقتصار التراخيص للقنوات الفضائية على العمل كقنوات متخصصة، بهدف تشجيع إطلاق المزيد من القنوات. ولكن، حتى هذه اللحظة، ما زال الشعب غير قادر على فك طلاسم أزمة الإفلاس والاقتصاد المتدهور من جهة والوفرة الفضائية من جهة أخرى، لا سيما في ضوء امتلاك رؤوس أموال مصرية وطنية غالبية تلك القنوات الضخمة الوليدة، على الأقل في الأوراق الرسمية. وبما أن الشعب غير قادر على فهم الغموض، يجد نفسه مضطراً أحياناً إلى متابعة تلك القنوات بعينين، إحداهما مستمتعة بالسجالات الساخنة، والثانية متوخية الحذر من رسالة مسمومة هنا أو اتجاه فكري أو سياسي أو ديني سابق التجهيز هناك. الشعب يريد معرفة سر هذه القنوات، ويريد الاطلاع على الأسباب الحقيقية لإطلاقها بهذه الكثرة في هذا التوقيت، ويريد التأكد من حسن نية المحتوى، ويريد فاصلاً ليريح أصابعه من الضغط على الريموت، وقد يواصل أو يمتنع!