حملة لتغيير صورة نمطية عن بنغلادش تقوم بها جهات عدة، منها مكتب السياحة الذي يؤكد مسؤولوه أن عدد السياح الأجانب يرتفع باضطراد بمعدل 10 في المئة سنوياً وقد قارب نصف مليون شخص، خصوصاً مع التوجه الجديد إلى مقاصد طبيعية واستغلال هذه الميزة التي تزخر بها أنحاء مختلفة من البلاد. بالطبع لا توحي زيارة العاصمة داكا، على رغم انتشار أماكن أثرية وتاريخية كثيرة فيها، بالاستمتاع والراحة عموماً، لا سيما لمن اعتاد اعتبار الأماكن السياحية أماكن مقتصرة على مرافق الخدمات والترفيه بنوعية عالية، وتجنّب الازدحام وفوضى المرور أو زيارة المدينة القديمة سونارغاوون (عاصمة سلطنة البنغال في القرن الثالث عشر) وضواحيها المهملة. لكن معالم كثيرة تثير الفضول وتحفّز على الاستكشاف وتحمّس على الاستطلاع في هذا البلد الواقع في شبه القارة الهندية، والمحاط من الهند من جهتين ونصف الجهة، وميانمار في الجنوب الشرقي وخليج البنغال في الجنوب، حيث تتراكم حضارات وأساطير. وفي كل إقليم من الأقاليم الستة طبيعة وخصائص مختلفة، القاسم المشترك بينها ما تقدمه للسائح «المغامر أحياناً» من فرص بحث عن اختبار مميز والعيش ببساطة وسط طبيعة «عذراء»، ما يجعله يشبع فضوله ويزيد من معرفته من دون أن يرهق موازنته، إذ تبدو موجة الغلاء العالمية وكأنها ضلت الطريق إلى «أرض البنغال». لذا، صنّف دليل «كونلي بلانيت» بنغلادش بين المقاصد التي تقدّم نوعية ممتازة بأفضل الأسعار. والمناسبة التي حملتنا إلى بنغلادش، وتحديداً إلى عاصمتها داكا، من دون تخطيط مسبق، لم تفسح لنا متسعاً من الوقت لنقصد مناطق بعيدة أو جبلية، مثل سفوح باندربان ومعابدها على ارتفاع 4632 قدماً (سقف بنغلادش) للتخلّص إلى حين من الرطوبة الزائدة، لا سيما أن الزيارة لهذا البلد تصادفت وموسم الأمطار الاستوائية. كان علينا المفاضلة والاختيار سريعاً، فوجدنا في رانغاماتي وساندربانز ما يلبي رغبتنا، إستناداً إلى الوقت المتاح وطول الرحلة. «بنغلادش أرض الابتسامات»، لافتة ترحّب بك في الأماكن السياحية البنغالية. والجملة عنوان حملة الترويج السياحي التي أطلقتها السلطات في إطار سعيها للتعويض عما فات ومن ضمن برنامج النهوض التنموي والورشة الكبيرة المرهقة للتطوير في بلد نال استقلاله عام 1971 لكنه مرّ بمخاض عسير سياسياً ومناخياً. «بنغلادش أرض الابتسامات» هي أيضاً لافتة تحملها العبّارة «ذا روكيت» التي تقلك في رحلة مائية رائعة قد تستغرق مدتها، إن أحببت، 27 ساعة، وتشق غابة المانغروف (الأكبر في العالم) في ساندربانز ومزارعها. هذه الغابة البالغة مساحتها 6 آلاف متر مربع، والتي أدرجتها منظمة «اليونسكو» على لائحة التراث العالمي، هي موطن النمر البنغالي الشهير، الذي يُعرف ب «القط الكبير» ويرمق زوار «مملكته» بنظره الثاقب من بعيد. رحلة هي فرصة لمعاينة غنى هذا المكان أيضاً بزواحف وثدييات وطيور، فضلاً عن نباتات رائعة ونادرة أحياناً. أما السكان المحيطون بهذا الدغل ومتفرعاته فيعيشون على الطريقة القديمة، ويقتاتون من الصيد على أنواعه، ويختلطون بسياح وزوار يبيعونهم بعض صيدهم ومشغولاتهم اليدوية والحرفية. ومن الأماكن المثيرة للاهتمام والمظللة بطبيعة خلابة، وهاد سيلهت وسهلها في شمال غربي البلاد، أرض النباتات والزهور وحدائق الشاي التي يربو عددها على 150 حديقة، وقد أُنشئت هناك مؤسسة للأبحاث تعنى بفن زراعة الشاي وأصنافه وسبل تطويرها. وقبل بلوغ هذا المكان الناعم بالسكينة، عرّجنا على «حديقة اللوتس» حيث ينبت هذا النوع من الزهور وسط مياه البحيرات ومن دون أي تدخّل بشري، مشكلاً لوحات ملونة متحركة وكأنها زوارق صغيرة تتنقل على صفحة منبسطة براقة تعكس ما يحيطها من خضرة ونور، وتتحوّل ظلالها إلى طبقات تعلو طبقات، فتبدو حدائق متفرقة وواحات متناثرة هي مرتع الطير الذي يحلّق أسراباً كلما دنا مركب أو استشعر حركة.