تراهم يحملون في أيديهم أوراق الصحف اليومية لا ليقرأوا عناوين الأخبار العالمية؛ ولا مقالات المفكرين المخملية؛ ولكن ليلفوا بها أرغفة الخبز الساخن، فهناك من ينتظرهم على أحر من الجمر... القناعة لباسهم، والعفة زينتهم، والنزاهة طريقهم، لا يفوتون صفاء اللحظات الأولى من الصباح الباكر، لأنهم لا يعرفون المساء الساهر، ليس لهم في الفساد ناقة ولا جمل، يتميزون بنظافة اليد، فليس تحت أيديهم شيء يسرقونه أو يختلسونه، يكفيهم شرفاً أنهم يأكلون من عرق جبينهم، يلتفون حول المائدة البسيطة في جو مفعم بالحياة، لديهم القدرة على الإبداع والعطاء أكثر من غيرهم بشهادة التاريخ. لا فرق بينهم وبين الأغنياء سوى أنهم يواجهون التعب قبل وجبة الطعام؛ والأغنياء يعانونه بعدها، تعبهم يهون لأنه خلاصة الكدح والعمل؛ وتعب المترفين مضاعف لأنه عاقبة الخمول والكسل، هم أكثر المتضررين من ارتفاع الأسعار واستغلال التجار، هم البسطاء والفقراء والمساكين وأصحاب المهن البسيطة والأجور المتدنية، والباحثين عن لقمة العيش تحت أشعة الشمس وفي الظروف الصعبة. يساعدون الشركات العملاقة والمصانع الحديثة في جني البلايين، ولا يحصلون إلا على الفتات، يقال إنهم يعيشون على «هامش الحياة» وهذا صحيح، على الشاطئ الجميل الهادئ للحياة تاركين صخبها وضوضاءها لكل من اختار أن يعيش القلق والتوتر، لاهثاً وراء الثروة وأوهام المكانة وأضواء الشهرة. لم يعد المال هو المعيار الوحيد للفقر والغنى؛ فالرزق ليس المال فحسب بل هو كل ما يتمتع به الإنسان من نعم العلم والصحة والقناعة والتصالح مع الذات وفضائل الأخلاق والزوجة الصالحة والابن البار وأوقات الفراغ والأصدقاء الأوفياء. هكذا هي الحياة؛ قيمتها في جانبها الروحي الأخلاقي أكثر من جانب المال والأملاك.