راقب العالم بأسره المحاكمة التاريخية لأول رئيس مصري تتم محاكمته على الملأ وهو يقف خلف القضبان، وقد رافقه خلفها ولداه جمال وعلاء مبارك، اللذان يحاكمان بالتهم نفسها الموجهة لأبيهم. وحتى قبيل المحاكمة بسويعات قليلة كانت كل الأمور المتعلقة بالمحاكمة في حال من الضبابية وعدم الشفافية، فلم يثبت في يقين أحد التثبت من محاكمة مبارك ومثوله أمام هيئة المحكمة ووقوفه خلف القضبان الحديدية، فكان هناك انقسام بين طوائف الشعب المصري في شأن محاكمة الرئيس السابق، فمنهم من كان يؤكد أن مبارك ستتم محاكمته ويدخل قفص الاتهام مثله مثل أي شخص آخر ارتكب جرماً في حق الشعب المصري، وطائفة أخرى كانت ترى أن مبارك سوف يمثل أمام المحكمة ولكنه لن يقف خلف القضبان، وطائفة ثالثة كانت ترى أن مبارك لن يذهب للمحاكمة، وستتم محاكمته غيابياً، وبالتأكيد ستكون الحجة هي مرضه وعدم قدرته على الذهاب للمحكمة، والكثير كان يؤيد تلك الطائفة، وكنت أؤيد هذا الاعتقاد، ولكن كان ذلك قبيل الثامن من تموز (يوليو)، «ثورة الغضب المصرية الثانية». أما بعد تجديد ثورة كانون الثاني (يناير) بتلك الثورة فقد تيقن المجلس العسكري ومجلس الوزراء بأن الشعب المصري لم يقم بثورة لكي يقول عنه العالم إنه صنع معجزة، أو لمجرد أنه قام بثورة، ولكنه قام بتلك الثورة لاسترداد حقوقه وكرامته، ولن يتنازل عنهما بعد ذلك حتى ولو قام بثورة كل يوم لتحقيق مطالبه واسترداد حقوقه. من أهم مطالب ثورة كانون الثاني (يناير) هي محاكمة رؤوس الفساد والقصاص العادل من قتلة الشهداء، التي لم تتم منها أي شيء طيلة الأشهر السبعة الماضية، وذلك حتى قيام المصريين بثورتهم الثانية، التي تعد تجديداً لثورة يناير، وظلوا معتصمين بميدان التحرير حتى خرج عليهم رئيس الوزراء عصام شرف ليؤكد أنه سوف تتم محاكمة جميع رؤوس الفساد محاكمة عادلة، وستكون المحاكمة علنية وعلى الهواء مباشرة، وكذلك الاستغناء عن الضباط المتورطين في جرائم التعذيب والقتل، وحينئذ تأكد غالبية الشعب المصري أن مبارك سوف تتم محاكمته، لأنه لو لم تتم محاكمته فسوف يطيح الشعب المصري بالنظام الحاكم الحالي، وبالتالي فمن مصلحة أي نظام أن ينصاع لمطالب الشعب المصري، ويقدم مبارك وأعوانه للقضاء. الشعب المصري لا يريد الانتقام من مبارك وأعوانه، ولكنه يريد المحاكمة العادلة، ولكن كان الغامض في الأمر هو الآلية التي ستتم بها المحاكمة، أي بمعنى هل سيقدم مبارك للمحاكمة واقفاً، أم جالساً على كرسي متحرك، وهل سيدخل القفص الحديدي، أم سيكون خارجه؟ مع أن هذا مخالف للقانون المصري، فكل هذه الأمور لم يحسمها أحد قبيل المحاكمة، ولم يتم إعلام الرأي العام بها، حتى فوجئ الشعب المصري والعالم بأسره بأن مبارك دخل راقداً على سرير طبي متحرك، ومَثُلَ خلف القضبان الحديدية، وتأكد حينها العالم كله بصفة عامة، والشعب المصري بصفة خاصة، بأن مبارك ونجليه ستتم محاكمتهم مثلهم مثل أي شخص أساء لوطنه، وستكون المحاكمة عادلة، ولن تتم محاكمتهم في محاكم خاصة، كالتي تتم عادة بعد كل ثورة. كان لابد أن يحدث هذا في مصر، وعقب تلك الثورة، وذلك حتى يتيقن كل حاكم يأتي بعد ذلك بأن أي حاكم ظالم لا بد من القصاص منه، وتتم محاكمته قضائياً، وذلك حتى لا يظلم أحداً، ولا يخون بلده لتحقيق مصالح شخصية، «فلابد من يوم معلوم ترد فيه المظالم، أبيض على كل مظلوم وأسود على كل ظالم»، فمهما استبد الحاكم وطال به الزمان فسوف يأتي يوم يقتص الناس منه ويثأروا لحقوقهم وكرامتهم، التي أمتهنت على أيدي هذا الحاكم المستبد، ولعلها تكون عبرة لكل حاكم يأتي بعد ذلك ليضع نصب عينيه ما حدث لحاكم كان يصَدِر الاستبداد والديكتاتورية، وكذلك يعي جيداً أن هذا الشعب لن يذل ولا يستعبد بعد اليوم. [email protected]