تعرضت أسواق المنطقة لخسائر جسيمة نتيجة الخسائر والتقلبات الشديدة التي شهدتها أسواق المال العالمية بعد تفجير قنبلة خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من قبل وكالة «ستاندارد أند بورز» والتخوف التالي من انتكاسة يتعرض لها الاقتصاد العالمي بفعل أزمتي الديون في الولاياتالمتحدة ومنطقة اليورو. وبلغت خسائر بورصتي الإمارات، مثلاً، خلال ثلاث جلسات فقط هذا الأسبوع، 15.4 بليون درهم (4.2 بليون دولار)، وكانت خسائر قياسية ومبالغاً فيها، بينما بلغت خسائر بقية بورصات المنطقة أضعاف هذا المبلغ. لا تبدو هذه الخسائر الجسيمة منطقية عند احتساب الأساسيات الاقتصادية والمالية والاستثمارية لاقتصادات دول المنطقة وتوقعات نمو نواتجها المحلية الإجمالية هذا العام، إذ تشير أكثر من دراسة إلى نمو ناتج الإمارات، مثلاً، بنحو أربعة في المئة هذا العام، وناتج قطر أضعاف هذه النسبة، وعند احتساب عدم وجود عجز في موازنات معظم دول المنطقة، بل توافر فوائض على رغم الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي الكبير لدعم الاقتصادات في ظل موارد مالية ضخمة، ساهم بها ارتفاع سعر النفط لدول الخليج. كذلك لا بد من الإشارة إلى التصنيف الائتماني القوي لمعظم دول المنطقة وامتلاكها صناديق سيادية تعزز من احتياطاتها واستثماراتها، وتحسّن ربحية معظم الشركات المدرجة في أسواق المنطقة خلال النصف الأول من العام والتأكيد على جاذبية أسعارها السوقية، استناداً إلى مؤشرات استثمارية متعارف عليها. أضف إلى ذلك قوة القطاع المصرفي في دول المنطقة وتمتعه بسيولة عالية وعدم امتلاكه أي سندات سيادية، خصوصاً منها سندات الدول الأوروبية التي تعاني ضعفاً في التصنيف الائتماني. والأكيد أن سيطرة سيولة الاستثمار الفردي المضارب على حركة معظم أسواق المنطقة وضعف الاستثمار المؤسسي وضعف الوعي الاستثماري تساهم في اتخاذ قرارات استثمارية مستندة إلى العواطف والعوامل النفسية وتجاهل الأساسيات المختلفة. وحصلت عمليات بيع عشوائي خلال الأيام الماضية وبرز إفراط في الخوف والتشاؤم ما أدى إلى خسائر جسيمة لأسعار أسهم الشركات المدرجة، خصوصاً الشركات التي تتمتع بسيولة عالية، على رغم أن الحصافة تتطلب من المستثمرين متابعة حركة مؤشرات أسواق المال العالمية، ليتخذوا بناءً عليها قراراتهم الاستثمارية في الأسواق المحلية. ولا بد كذلك من الإشارة إلى الدور السلبي الذي لعبه الاستثمار الأجنبي غير الخليجي والعربي هذا الشهر والشهر الماضي في صورة عامة والأسبوع الماضي في صورة خاصة، لناحية حصول خروج تدريجي ومكثف من معظم أسواق المنطقة لتغطية خسائر في أسواق عالمية أخرى أو الانتقال إلى أدوات استثمارية أقل مخاطرة، إلى جانب توافر معلومات عن قيام بعض المحافظ الاستثمارية الأجنبية بعمليات بيع على المكشوف في بعض أسواق المنطقة في رهان على تراجع مؤشرات الأسواق وليس تحسنها. وكان لافتاً للانتباه أيضاً أن بعض المحافظ الاستثمارية المحلية تابعت تحركات المحافظ الاستثمارية الأجنبية خلال الأسبوع الماضي واعتمدت على تحركاتها في اتخاذ القرارات الاستثمارية. وفي المقابل لا نستطيع أن ننكر التأثيرات السلبية للأزمات المالية والاقتصادية في أميركا وأوروبا على اقتصادات المنطقة لأن أي تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي سيؤثر سلباً في صادرات المنطقة ويؤثر تحديداً في سعر النفط، بما يضر دول الخليج ويخفض عائداتها. ويساهم التراجع القوي في سعر صرف الدولار في ارتفاع مستوى التضخم المستورد إضافة إلى حصول تأثيرات سلبية مختلفة تطاول استثمارات دول الخليج. ومع ذلك لا تبرر هذه التأثيرات السلبية حجم الخسائر الجسيمة التي تعرضت لها أسواق المنطقة وسيطرة حال من التشاؤم والحذر على سلوكيات مختلف شرائح المستثمرين. * مستشار الأسواق المالية في «بنك أبو ظبي الوطني»