في صيف 2003 أخرجت القوات الأميركية صدام حسين بعد سقوط نظامه من وسط حفرة عميقة بلحية كثّة ووجه أشهب، وفي 30 كانون الأول (ديسمبر) 2006 أعدم صدام حسين، وقالت الشعوب عسى أن يكون ما حدث لديكتاتور العراق عبرة لغيره من الزعماء الذين يقمعون ويحكمون الناس بالفأس والقيد والبارود. وفي عام «الربيع العربي»، في منتصف كانون الثاني (يناير) 2011 هرب زين العابدين بن علي من تونس إلى جدة من سخط المتظاهرين، بعد أن حكم بلاده لمدة 23 عاماً بقبضة أمنية حديدية، وحينها قيل سقط طاغية آخر ليكون درساً آخر للأنظمة العربية. وفي 25 يناير 2011 انتفضت مصر لتسقط حسني مبارك في «جمعة الرحيل» في 11 شباط (فبراير) 2011، بعد أن حكم بلاده بقانون الطوارئ لمدة 30 عاماً، واليوم يلقى المحاكمة والمحاسبة من الشعب أمام أنظار العالم. في «الربيع العربي» تعرّفت الشعوب على صفات جديدة في قواميس الأنظمة الأمنية والاستخباراتية العربية تطلق على المتظاهرين، مثل «مندسين» و»متآمرين» و»مسلحين» و»شياطين»، لكونها تقف صامدة، وتطالب بحقوقها وحريتها في وجوه سلاح «شبيحة» و»بلطجية» الأنظمة. في ليبيا، لا تزال كتائب القذافي تقتل الناس وتشنّ الهجمات وتسفك الدماء البريئة، القذافي يُصر على استسلام الشعب له ولأبنائه، وإما يخرج كل الشعب عن بكرة أبيه من أرضه رافضاً التنحي وهو يحكم البلاد منذ 42 عاماً. وفي اليمن، يُصر علي عبدالله صالح على البقاء على كرسي الرئاسة حتى وهو عليل يُعالج خارج بلاده، ويظهر بوجه محروق ويدين مربوطتين وإصابات بالغة في القلب والرئتين، لا يزال صالح يتحايل على كل المبادرات، على رغم أنه يحكم اليمن منذ 33 عاماً، اعتقاداً منه أن النساء اليمنيات لم ينجبن غيره ولن ينجبن بعده. في سورية، يحكم البلاد نظام دموي، نظام يقتل ويسجن ويعذب حتى الموت، نظام يدّعي الإصلاح وهو يجلب الأتراح، نظام يتجاهل كل الأصوات وينساق وراء شهوات القتل والقمع. الحركة الاحتجاجية في سورية منذ آذار (مارس) الماضي، ذهب ضحيتها نحو 2000 متظاهر، إضافة إلى تعذيب وتشريد وتهجير الآلاف من الشعب السوري، وجامعة الدول العربية «صامتة» و»خائفة»، حتى أمينها الجديد نبيل العربي ذهب إلى دمشق ليبدي التضامن مع شرعية الأسد ونظامه لا ضد ممارساته. كم من جمعة مرت على السوريين وهم يقتلون ويذبحون ويسحلون ويهجرون ويشردون، فهل يراد لهم الإبادة الجماعية حتى يتحرك العالم نحو مساندتهم وحمايتهم من قبضة الأسد وحزبه وأجهزته الأمنية وشبيحة نظامه؟ الصمت العربي شريك لنظام الأسد في سياساته وأفعاله الوحشية، وإلا لماذا لا تتحرك الحكومات العربية لنصرة المتظاهرين «السلميين»، الذين يواجهون نظاماً سفاحاً وآلة عسكرية قمعية قاتلة؟!. في ظل الصمت الرسمي العربي «المخجل» تجاه ما يحدث في سورية، خرج بيان «خجول» لدول مجلس التعاون الخليجي، يدعو سورية إلى الوقف الفوري لإراقة الدماء والبدء بإصلاحات حقيقية، معرباً عن القلق البالغ والأسف الشديد حيال الاستخدام المفرط للقوة في هذا البلد. الحركة المدنية الشعبية في الدول العربية تستحق التقدير الكبير ورفع القبعات حتى تعانق السماء احتراماً لشعوب «سلمية» تصمد في وجه آلات القتل وأوامر السفّاحين لتحقيق مطالبها المشروعة. الأكيد أن البيان الخليجي على رغم أهميته في ظل الضعف العربي لن يكون مؤثراً، لضعف صياغته وعباراته، وتجنّبه الانتقاد المباشر لنظام الأسد، لكنه ربما يكون مؤثراً إذا تبنّته الجامعة العربية، وجعلت منه منطلقاً ونواة نشطة لقرار عربي مشترك يتجاوز العمل الغربي. المواقف العربية الرسمية «هزيلة»، ولا تتواكب مع متطلبات الشعوب المنددة بالمجازر والوحشية، التي يرتكبها النظام البعثي، كما أن مواقف الدول الغربية متذبذبة، ولم تتجاوز الدعوات إلى الإصلاح وفرض العقوبات التي لم تؤثر في صدام ورجالاته آنذاك، بقدر ما كان لها تأثير محزن على الشعب العراقي، وهو ما يتوجب على المعارضة السورية الاتجاه نحو جدية العمل وتوحيد الرؤية السياسية ووحدة الخطاب الإعلامي، والابتعاد عن تصفية الحسابات القديمة وتجنّب المحاصصة الطائفية والحزبية، والبدء في صوغ ميثاق شرف وطني، محوره مطالب الشعب وحقوقه وحريته وكرامته لبناء دولة المساواة والمواطنة البعيدة عن الأفق الضيق لتحقيق الطموحات الشعبية، وحتى لا تتعرض البنية السورية للانهيار، والدخول إلى نفق الفوضى والمصير المجهول.