أصدرت الحكومة البريطانية أخيراً دراسة تحدِّد فيها اقتراحاتها لإجراء تعديلات واسعة على قانون يحدد شروط اعتبار شخص «مقيماً وفق التعريف الضريبي». وتكتسب هذه المسألة أهمية إذ ينبغي على كل من يمضي فترة زمنية في بريطانيا أن يعرف إن كان يجب عليه تسديد ضرائب أم لا. ويُعتبر القانون الحالي معقَّداً، وأوضحت الحكومة أن القوانين الجديدة تهدف إلى «استبدال أنظمة الإقامة الحالية الغامضة والمعقَّدة باختبارات إقامة قانونية واضحة تكون سهلة التطبيق من قبل دافعي الضرائب». واليوم إن كنت مقيماً وفق التعريف الضريبي، عليك دفع الضرائب على الدخل والأرباح الرأسمالية التي تحققها هنا في المملكة أو تدخلها إليها. أما في حال لم تنطبق عليك الإقامة الضريبية، فلا يجب عليك تسديد ضريبة الدخل في بريطانيا باستثناء الإيجارات في القطاع العقاري البريطاني. لكن القانون أكثر تعقيداً من ذلك، ومن خلال بعض التخطيط الحذر والدقيق، يستطيع الكثير من الناس، ومن بينهم المقيمون، خفض فواتيرهم الضريبية، أحياناً إلى الصفر. وعلى رغم وصف الدراسة التي نشرتها الحكومة أخيراً بأنها «استشارية»، واضح أنه اعتباراً من نيسان (أبريل) المقبل، سيصبح عدد كبير من الناس مقيماً وفق تعريف القوانين الضريبية البريطانية من دون أن يدركوا الأمر. وسيجب عليهم التقدُّم ببيان الدخل الضريبي وتسديد الضرائب، وفي حال المخالفة، ستُفرض عليهم عقوبات وغرامات. أما التعديل الكبير الآخر الذي سيطرأ على القانون فينص على أن أي شخص يغادر بريطانيا سيواجه صعوبة أكبر في فقدان وضع «المقيم وفق التعريف الضريبي». ويُذكر أن النظام الضريبي البريطاني يعمل وفق آلية «تقويم ذاتي»، فيكون على أي شخص مطالب بتسديد الضرائب أن يُطلع الحكومة على الضرائب المترتبة عليه إن وُجدت، وثمة نظام عقوبات أكثر تكلفة إن لم يدرك ذلك. وعلاوة على «الإقامة»، ثمة مفهوم آخر في القانون الضريبي البريطاني، وهو مفهوم «محل الإقامة الدائم»، وذلك انطلاقاً من فكرة أن لمعظم الناس دولة يعتبرونها «وطنهم الأم». ويتخذ عدد كبير من الفلسطينيين الذين يعيشون في لندن من فلسطين محل إقامتهم الدائم على رغم تعذر عودتهم إليها، ويكفي بالنسبة إليهم أنهم يريدون العودة لتجنب اعتبارهم أنهم يتخذون من بريطانيا مقراً دائماً. وإن كنت محظوظاً بما يكفي لتكون قد وُلدت خارج بريطانيا أو يكون أبوك قد وُلد خارجها، وإن كنت لا تزال تعلن عن صلة ببلدك الأم وتعرب عن رغبة بالعودة إليه، تكون «غير متخذ محل إقامة دائماً» في بريطانيا، وفق التعريف الضريبي البريطاني. أما الميزة الأساسية فهي أنه عليك دفع ضريبة دخل وأرباح رأسمالية فقط على الدخل الذي تجنيه أو الأرباح التي تحققها في بريطانيا، أو الدخل والأرباح التي تدخلها إليها. ومن خلال التخطيط الدقيق، تمكن بعض الأشخاص الذين أتوا من خارج المملكة من أن يعيشوا في لندن من دون تسديد ضرائب عملياً وذلك من طريق إدخال الأنواع الصحيحة من الأموال إلى بريطانيا. ويُعتبر الشخص مقيماً وفق التعريف الضريبي في بريطانيا إن أمضى أكثر من 183 يوماً خلال أي سنة ضريبية في المملكة. أما السنة الضريبية فتمتد من 6 نيسان إلى 5 نيسان التالي وذلك لأسباب تاريخية. وتُعدّ مقيماً خلال أي يوم عندما تكون موجوداً في بريطانيا خلال منتصف الليل. وإضافة إلى قاعدة الأيام ال 183، ثمة قاعدة أخرى مفادها أن في حال تعدى متوسط إقامتك 90 يوماً سنوياً في بريطانيا خلال أربع سنوات، تُعامَل معاملة المقيم ضريبياً. وحين تصبح مقيماً وفق التعريف الضريبي، يصعب تماماً التخلي عن هذه الإقامة من دون قطع صلتك ببريطانيا. ووجد مكلَّفون أن إشارة القواعد الضريبية إلى عدد الأيام التي يمضيها شخص ما في بريطانيا، لا تمنع السلطات الضريبية من تأكيد أن الشخص، على رغم إقامته فترة أقل في المملكة، لا يكون قطع صلته مع بريطانيا، وبناءً على ذلك، يظل معتبراً مقيماً من الناحية الضريبية. إلا أن القواعد الضريبية لم تكن أبداً واضحة تماماً وغالباً ما تبدِّل القرارات الصادرة عن المحاكم طريقة تفسيرها. وتعتزم الحكومة إيضاح القواعد الضريبية وجعلها أسهل بكثير. هي تريد تيسير الإقامة الضريبية وجعل التخلي عنها أكثر صعوبة. وتقول إن إضفاء «طبيعة لاصقة» على الإقامة أمر لا بد منه، بحيث تكون «في مرصاد» السلطات الضريبية البريطانية، ويصعب فرارك إلى مكان آخر. وسيكون مفهوم «الإقامة اللاصقة» هذا مبعث قلق للأشخاص الذين يعتزمون الانتقال إلى بريطانيا، لأنهم قد يجدون صعوبة في مغادرتها لاحقاً. وسيدفع هذا الأمر بمستثمرين محتملين إلى التفكير ملياً إن كانوا يودون التحوُّل إلى مقيمين وفق التعريف الضريبي، مع العلم أنهم قد يواجهون صعوبة في تفادي الموجبات الضريبية الطويلة الأمد في المستقبل، حتى في حال غادروا المملكة. وينص النظام الجديد على أنك تصبح مقيماً ضريبياً إن أمضيت فترة من الوقت في بريطانيا، أو إن كانت تربطك صلة وثيقة بالمملكة، أو إلى مزيج من الاثنين. ويرتبط الشرطان بعضهما ببعض بمعنى أن متانة صلتك تفرض عليك تمضية فترة أقصر كي تصبح مقيماً من المنظور الضريبي. وسيفكر الكثير من الأشخاص جدياً في شراء ممتلكات عقارية نظراً إلى أن استعمال منزل في بريطانيا سيُعتبر مؤشر صلة بها، ما يعني بموجب القواعد الضريبية المطبَّقة أنه يمكنك تمضية فترة أقل في المملكة قبل أن تصبح مقيماً ضريبياً. ولذلك قد يخلِّف هذا التعديل في القانون أثراً في السوق العقارية بعدما سيدرك زائرو بريطانيا المنتظمين أن امتلاك منزل فيها قد يحوِّلهم من غير مقيمين ضريبياً إلى مقيمين. وقد يؤدي هذا التعديل إلى تعزيز الأسواق العقارية وإن كان بصورة هامشية، في المراكز والوجهات المالية خارج بريطانيا، إذ إن امتلاك منزل خارجها يسمح بعدم توثيق الصلة بها ويحسِّن الموقع الضريبي فيها. وبالتالي، سيكون لهذه القواعد الضريبية عواقب جمّة غير متعمَّدة على الأرجح. من أجل أن تعرف إن كنت مقيماً وفق التعريف الضريبي في بريطانيا بموجب القواعد الجديدة، لا بد من أن تقرر إن كنت «وافداً» أو «مغادراً»، علماً أن المعاني الحقيقية لهذين المصطلحين في غير محلها بالنسبة إلى القواعد الضريبية. ففي حال كنت مقيماً في بريطانيا خلال السنوات الثلاث السابقة، ستُعرّف ك «مغادر»، وإن كانت ثمة صلة تربطك بالمملكة وتريد المغادرة، عليك قضاء أقل من 10 أيام فيها كي تفقد وضعك المقيم وفق المفهوم الضريبي، وذلك، لمقارنة ب 90 يوماً في الوقت الحاضر. أما إذا لم تكن منذ فترة طويلة في بريطانيا، فستُعرَّف بأنك «وافد»، وإن أمضيت أكثر من 45 يوماً في المملكة، وكانت تربطك صلة بها، ستصبح مقيماً من الناحية الضريبية. ويكون عدد الأيام التي يمكنك أن تمضيها في بريطانيا قبل أن تصبح أو تحتفظ بوضع المقيم ضريبياً، أكبر للوافدين مما هو للمغادرين. وتنظر القواعد الضريبية في الصلات الوثيقة ببريطانيا، وكلما كانت صلتك متينة بها، كان بإمكانك قضاء وقت أقل فيها، إن كنت تريد تفادي الإقامة الضريبية. لذلك إن رغبت في زيارة بريطانيا، وفي الوقت ذاته تجنُّب تقديم بيان الدخل الخاضع لضريبة، وتسديد ضرائب، فتأكد من أن الصلات المذكورة أدناه لا تربطك بالمملكة، لأن النظام ينطلق من أن كلما زادت صلتك، كان في استطاعتك تمضية وقت أقل في بريطانيا قبل أن تصبح مقيماً وفق التعريف الضريبي. أما الصلات التي تربطك ببريطانيا فهي: - الأسرة – إن كان الزوج أو الزوجة أو الأولاد (ما دون 18 سنة)، يُعتبرون مقيمين ضريبياً في بريطانيا، تملك عندئذ صلة بالمملكة. - المسكن – إن كنت تملك ما يوصف بأنه «مسكن متيسِّر» وتستخدمه خلال السنة، ستربطك صلة بالمملكة. - عمل أساسي – إن كنت تزاول عملاً أساسياً في بريطانيا، وكلمة أساسي غير محدَّدة، حتى لو لم يكن بدوام كامل، تربطك صلة بالمملكة. - فترة زمنية في بريطانيا خلال السنوات الضريبية الماضية – إن أمضيت أكثر من 90 يوماً في بريطانيا خلال أي من السنوات الضريبية السابقة، تربطك صلة بالمملكة. - فترة زمنية في بريطانيا أطول من أي بلد آخر – إن أمضيت وقتاً في بريطانيا أطول من الوقت الذي أمضيته في أي بلد واحد آخر، تربطك صلة بالمملكة. يُفترض أن يكون النظام الجديد مبسَّطاً، ولكن لا يسهل وصفه! ويعني الأمر أنه يتعيَّن على الشخص الذي يريد تفادي التحوُّل إلى مقيم أو الاحتفاظ بهذا الوضع من المنظور الضريبي، أن يقطع صلته ببريطانيا... وإخراج الزوج أو الزوجة من المملكة، وبيع (أو أقله عدم استعمال) منزله اللندني، وإيقاف كل عمل في بريطانيا، وتمضية أقل من 90 يوماً في المملكة في شكل متواصل، فضلاً عن التأكد من المكوث في دولة واحدة أخرى فترة أطول من مكوثه في بريطانيا. سيكون من شبه المستحيل للأشخاص ذوي الجداول الحافلة برحلات السفر، وأولئك الذين يعيشون في أماكن عدة من العالم تشمل لندن كوجهة سفر، ومن يملكون أصولاً بريطانية، ألّا يصبحوا مقيمين وفق التعريف الضريبي بموجب القواعد الجديدة المقترحة. ودعونا نعقد الأمل على أن مصالح مجتمع الأعمال الدولي الذي يستثمر في بريطانيا وحوَّلها إلى المركز المالي الذي وصلت إليه حالياً، ستحضّ الحكومة على إعادة التفكير في مقدار عملانية هذه القوانين الجديدة المقترحة. وفي غضون ذلك، يجب على أي شخص آت من خارج بريطانيا ويعيش فيها حالياً، وأي شخص في صدد الانتقال إلى المملكة، أن يطّلع على هذه التعديلات المحتملة، التي من شبه المؤكد أن تصبح قانوناً في السادس من نيسان 2012. * محامٍ بريطاني